البدر الذي انجلى في مسألة الولا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، وقع السؤال عن
امرأة أعتقت عبدا ثم ماتت وتركت ابنا ، ثم مات الابن وترك ابن عم له ، ثم مات العتيق ، فهل يرثه ابن عم ابن المعتقة ؟ وذكر السائل - وهو الشيخ
بدر الدين المارديني فرضي هذا الوقت - أن المفتين في عصرنا اختلفوا في هذا ، فأفتى بعضهم بإرثه وبعضهم بعدم إرثه ، وسألني الشيخ
بدر الدين من المصيب ، وهل تعرض للمسألة أحد من المصنفين؟ فأجبت بأن الصواب مع من أفتى بعدم إرثه ، فإن ذلك مقتضى الدليل ومقتضى نصوص الأصحاب قاطبة ، ثم وجدت ذلك مصرحا به وأنه لا خلاف فيه في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وهو أصح الروايتين في مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، فهذه ثلاثة أمور عقدت هذه الكراسة لبيانها وسميتها : البدر الذي انجلى في مسألة الولا ، فأقول : أما بيان كونه مقتضى الدليل فمن وجهين : أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005046الولاء لحمة كلحمة النسب ) هذا الحديث هو عمدة
الإرث بالولاء ، حيث شبه الولاء بالنسب ، وقد نص العلماء في هذا الحديث بخصوصه على أن المشبه دون المشبه به ، فجعلوا الولاء دون النسب في القوة ، قال
السبكي : شبه صلى الله عليه وسلم الولاء بالنسب ، والمشبه دون المشبه به ، وحينئذ فالقول بأن ابن العم يرث في هذه الصورة يؤدي إلى زيادة الولاء على النسب في القوى ؛ لأن ضابط الذي يرث بالولاء أن يكون بحيث لو مات المعتق يوم موت العتيق ورثه ، والمرأة لو ماتت وابن عم ولدها موجود لم يرثها بالإجماع ، فتوريثه بالولاء مع عدم توريثه بالنسب تقوية للولاء على النسب وهو خلاف ما اقتضاه الحديث .
الوجه الثاني أن الأدلة قامت على أنه
لا يرث بالولاء إلا عصبة المعتق ، ولهذا لم يرث إلا أصحاب الفروض ، وعصبة عصبة المعتق ليسوا عصبة للمعتق ، فلم يدخلوا تحت هذا اللفظ ، وأمر ثالث وهو أن الأدلة قامت على أن الولاء لا يورث ، قال
ابن الصباغ في الشامل : لو كان الولاء يورث لكان الزوج والزوجة يرثانه ، وقد
[ ص: 209 ] حصل الإجماع على أنهما لا يرثان الولاء ، وقال إمام الحرمين في النهاية : أصل الباب أن عصبة المعتق لا يرثون الولاء كما يرثون الأملاك وحقوقها وإنما يرثون بالولاء بانتسابهم إلى المعتق ، فمقتضى العصوبة المحضة تقتضي توريثهم ، قال : والدليل على أنهم لا يرثون الولاء أن الولاء لو كان موروثا لاقتضى القياس أن يستوي في استحقاقه بالإرث الرجال والنساء كسائر الحقوق ، وقال
الرافعي : قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005047الولاء لحمة كلحمة النسب ، لا يباع ولا يوهب " معناه : قرابة وامتشاج كامتشاج النسب ، وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005048لا يباع ولا يوهب " يعني أن نفس الولاء لا ينقل من شخص إلى شخص بعوض وغير عوض كما أن القرابة لا تنقل ، ويروى النهي عن
بيع الولاء وهبته ؛ ولذلك لا يورث الولاء ، لكن يورث به كما أن النسب لا يورث ويورث به ، ومما يدل عليه أنه لو كان الولاء موروثا لاشترك في استحقاقه الرجال والنساء كسائر الحقوق . انتهى كلام
الرافعي ، وإذا لم يورث الولاء لم يرث عصبة عصبة المعتق شيئا ؛ لأن عصبة المعتق إنما ورثوا بقرابتهم من المعتق لا بإرثهم الولاء الذي كان للمعتق ، وعصبة العصبة ليسوا بأقارب المعتق ولا ورثوا الولاء من العصبة ، فلم يرثوا به شيئا . هذا مقتضى الدليل .
وأما بيان كون ذلك مقتضى نصوص الصحاب ، فمن وجوه ، أحدها : إطباق الأصحاب على قولهم : فإن لم يوجد المعتق ، فالاستحقاق لعصباته من النسب الذين يعصبون بأنفسهم ، فإن لم يوجد من عصبات المعتق أحد ، فالمال لمعتق المعتق ، ثم لعصباته ، ثم لمعتق معتق المعتق ، وهكذا ، فجعلهم المال بعد عصبة المعتق لمعتق المعتق من غير واسطة صريح في أن عصبة العصبة لا يرثون شيئا ، وإلا لقالوا : فإن لم يوجد من عصبات المعتق أحد فلعصبة عصبته ، فكانوا يذكرون عصبة العصبة قبل أن يذكروا معتق المعتق ، ولا يتخيل متخيل دخول عصبة العصبة في لفظ عصبة المعتق بحال ، لا معنى ولا لفظا ، وكيف يتخيل ذلك وعصبة العصبة ليسوا بعصبة للمعتق ، بل هم منه أجانب محض ، وإذا كان الفقهاء لم يروا الاقتصار على ذكر المعتق حتى تعرضوا لمعتق معتق المعتق ومن فوقه ، مصرحين بتأخيرهم عن عصبة المعتق ، فكيف يتصور إرث عصبة العصبة قبل معتق المعتق من غير تعرضهم له ولا تصريحهم به ، ويزيد ذلك وضوحا عبارة
الرافعي حيث قال : إذا لم يكن المعتق حيا ورث بولائه أقرب عصباته ولا يرث أصحاب الفروض ولا الذين يتعصبون بغيرهم ، فإن لم يوجد للمعتق عصبة من النسب ، فالميراث لمعتق المعتق ، فإن لم يكن فلعصبات معتق المعتق ، وهكذا ، فانظر إلى قوله : فإن لم يوجد للمعتق عصبة من النسب تجده صريحا فيما ذكرناه ،
[ ص: 210 ] فابن عم الولد ليس عصبة للمعتقة ولا نسيبا لها .
الوجه الثاني : قول
الرافعي : للأصحاب عبارة ضابطة لمن يرث بولاء المعتق إذا لم يكن المعتق حيا ، وهي أنه يرث العتيق بولاء المعتق ذكر يكون عصبة للمعتق لو مات المعتق يوم موت العتيق بصفته ، وهذا الضابط يخرج عنه عصبة عصبة المعتق قطعا ؛ لأن المرأة لو ماتت وابن عم ولدها موجود لم يرثها إجماعا .
الوجه الثالث : قال
الرافعي : ولا ميراث لغير عصبات المعتق إلا لمعتق أبيه أو جده ، ولا شك أن عصبة العصبة غير عصبة المعتق ، فدخلوا في هذا النفي ، وعبارة
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي في التهذيب : ولا ميراث لمعتق عصبة الميت إلا لمعتق أبيه أو لمعتق جده وإن علا ، وكذلك معتق عصبات المعتق لا يرث إلا معتق أبي المعتق أو معتق جده ، فإن من أعتق عبدا ثبت له الولاء على أولاده وعلى أولاد بنيه وإن سفلوا ، هذه عبارة
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي في التهذيب ، فانظر كيف صرح بنفي الميراث عن معتق عصبات المعتق ، ومعنى العصبة من جملة أفراد عصبة العصبة ، فكما أنه لا ميراث له بهذا التصريح فكذلك باقي عصبة العصبة ؛ لأن العلة في ذلك كونه أجنبيا من المعتق ، فسواء في ذلك المعتق والنسب ، وإنما ورث معتق الأب والجد بالانجرار الذي وقع على الأحفاد ، فلو لم يكن في المسألة إلا هذا التصريح من البغوي لكان كافيا ، هذا بعض ما اقتضته نصوص الأصحاب .
وأما التصريح ، فقال صاحب المحيط من الحنفية ما نصه : ولو
أعتق أمة ومات المعتق عن ابن والابن عن أخ لأمه ، ثم مات المعتق ، فالميراث لعصبة المعتق ، ولا شيء للأخ للأم ؛ لأنه أجنبي من المعتق قال : وكذا لو كان للمعتق أخ لأمه لم يرث شيئا ؛ لأنه ليس بعصبة له ، هذه عبارة المحيط ، فانظر كيف علل الأول بكونه أجنبيا من المعتق ، ولم يعلله بكونه صاحب فرض ولا عصبة كما علل بذلك في الصورة الثانية ، فدل بفرقه بين التعليلين على أنه لا يرث أحد من أقارب عصبة المعتق إذا كانوا أجانب من المعتق عصبة كانوا أو أصحاب فرض ، وأصرح من ذلك عبارة شمس الأئمة
السرخسي من الحنفية أيضا في كتابه المبسوط ، فإنه قال :
وإذا أعتق الرجل الأمة ، ثم مات وترك ابنا ، ثم مات الابن وترك أخا من أمه ، ثم ماتت الأمة ، فميراثها لعصبة المعتق وليس للأخ من ذلك شيء ؛ لأن الولاء للمعتق وأخو ابن المعتق لأمه أجنبي من المعتق ، وكذا أخو المعتق لأمه ؛ لأنه ليس بعصبة له إنما هو صاحب فريضة ، ولا يخلف المعتق في ميراث معتق إلا من كان عصبة له ، هذه عبارته .
فإن قلت : هذه كلها علالات واحتمالات ، فإن لم تأت بنقل صريح وإلا لم نقبل شيئا مما ذكرت . قلت : اسمع يا أيها الرجل ، أنا عادتي في التقرير أن أبدأ أولا بالإخفاء ، ثم أنتقل إلى الإجلاء وآتي بالمحتملات ، ثم أثني بالدامغات فأكسر بها رؤوسا وأحيي بها نفوسا ، فأقول : يا أيها الناس لا يحل لأحد أن يفتي في
[ ص: 211 ] دين الله بما تحدث به نفسه من غير اعتماد على نقول الأئمة ، وإذا كان الناس الآن لا يعتمدون فتوى المجتهد باجتهاده واستنباطه مع كون ذلك مقبولا شرعا لأنه مستند إلى أدلة وحجج ، ولا يقبلون منه إلا ما كان منقولا في المذهب ، فكيف يسوغ لمن ليس مجتهدا أن يفتي بغير نقل ولا استناد إلى حجة ؟ هذه المسألة منقولة في الحاوي الكبير
nindex.php?page=showalam&ids=15151للماوردي وعبارته : فلو أعتقت امرأة عبدا وماتت وخلفت ابنا وأخا ، ثم مات العبد المعتق ، كان ولاؤه للابن دون الأخ ، ولو مات الابن قبل موت العبد وخلف عما وخالا ، ثم مات العبد المعتق كان ولاؤه لخاله دون عمه ؛ لأن الخال أخو المعتقة والعم أجنبي منها ، هذا قول من جعل الولاء لا يورث ، فأما على قول من جعله موروثا يجعل الولاء لعم الابن وإن كان أجنبيا من المعتقة دون الخال وإن كان أخاها ؛ لانتقال ماله إلى عمه دون خاله ، وقد بسط
السبكي المسألة بسطا شافيا في كتابه الغيث المغدق ، فقال : هذه مسألة اختلف الناس فيها ، وهي إذا ماتت المعتقة وخلفت ابنا وأخاها ، ثم مات ابنها وترك عصبته كأعمامه وبني عمه ، ثم مات العتيق وترك أخا مولاته وعصبة ابنها ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب فيه روايتان : إحداهما أن ميراثه لأخي مولاته ؛ لأنه أقرب عصبات المعتق ، فإن انقرض عصبتها كان بيت المال أحق به من عصبة ابنها ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان nindex.php?page=showalam&ids=16812وقبيصة بن ذؤيب وعطاء وطاووس nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأهل
العراق ، والرواية الأخرى عن
علي أنه لعصبة الابن ، روي نحو ذلك عن
عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ، وبه قال
شريح ، وهذا يرجع إلى أن
الولاء يورث كما يورث المال ، وقد روي عن
أحمد نحو هذا ، واحتجوا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال صاحب المغني من الحنابلة : والصحيح الأول ، فإن الولاء لا يورث ، وإنما هو باق للمعتق يرث به أقرب عصباته ، ومن لم يكن من عصباته لم يرث شيئا ، وعصبات الابن غير عصبات أمه ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب غلط ، قال
حميد : الناس يغلطون
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب في هذا الحديث . انتهى ما أورده
السبكي هنا .
فانظر كيف صرح بأن عدم الإرث هو قول
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأهل
العراق بلا خلاف عندهم وأنه الصحيح من قول
أحمد ، ثم قال
السبكي بعد ذلك : اتفق جمهور العلماء على أن الولاء لا يورث ولا خلاف عندنا فيه ، وروي نحو ذلك عن
عمر وعلي وزيد nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=91وأبي مسعود البدري nindex.php?page=showalam&ids=111وأسامة بن زيد ، وبه قال
عطاء وسالم
بن عبد الله والحسن وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=11863وأبو الزناد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وداود ، وهو المشهور عن
أحمد .
[ ص: 212 ] وحكى الحنابلة ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس أيضا ، وشذ
شريح فقال : الولاء كالمال يورث عن المعتق ، فمن ملك شيئا حياته فهو لورثته ، وحكى
القاضي حسين وغيره ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس أيضا ، ونقله
ابن المنذر عن
الزبير - يعني ابن العوام - ورواه
حنبل ومحمد بن الحكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل ، وغلطهما
أبو بكر وغيره من أصحابه - هذا كله كلام
السبكي ، فانظر كيف صرح بأنه لا خلاف عندنا في أن الولاء لا يورث ، ونقل ذلك عن مذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ولم يحك عنهما خلافا ، وجعله المشهور من مذهب
أحمد ، فعرف بذلك أن من أفتى في هذه الصورة بالإرث كان مخالفا للمذاهب الأربعة : الثلاثة باتفاق ،
وأحمد على المشهور من مذهبه ، وعلم بذلك أن قول
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : فأما على قول من جعله موروثا ، يريد به قول من شذ
كشريح ونحوه ، وهو خلاف قول أئمة المذاهب الأربعة ، وقد راجعت سنن
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، فوجدته رجح قول الجمهور ، وعقد بابا احتج له فيه بحديث وآثار ، ثم عقد بابا ثانيا لمن قال : إن الولاء يورث ، وروى فيه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب وضعفه ، ثم تأوله على تقدير الصحة ، وروى فيه الرواية المعزوة إلى علي وخطأها من حيث الإسناد ، ثم روى عنه موافقة الجمهور ، ثم روى عن
الزبير الرواية المعزوة إليه وتأولها ، ثم روى عن
ابن الزبير أنه قضى بذلك ، قال
عطاء : فعيب ذلك على
ابن الزبير ، وقال
محمد بن زيد بن المهاجر : لما قضى به
ابن الزبير سمعت
القاسم بن محمد يقول : سبحان الله ، إن الولاء ليس بمال موضوع يرثه من ورثه ، إنما المولى عصبة .
وها أنا أسوق ما أورده
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في البابين ، ثم أرتقي إلى جميع ما ورد في ذلك عن الصحابة ، فمن بعدهم مسندا مخرجا ليستفاد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : باب الولاء للكبر من عصبة المعتق وهو الأقرب فالأقرب منهم بالمعتق إذا كان قد مات المعتق ، ثم أخرج فيه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11947أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن
العاص بن هشام هلك وترك بنين له ثلاثة ، اثنان لأم ورجل لعلة ، فهلك أحد اللذين لأم وترك مالا وموالي ، فورثه أخوه الذي لأمه وأبيه ماله وولاء مواليه ، ثم هلك الذي ورث المال وولاء الموالي وترك ابنه وأخاه لأبيه ، فقال ابنه : قد أحرزت ما كان أبي أحرز من المال وولاء الموالي ، وقال أخوه : ليس كذلك ، إنما أحرزت المال ، فأما الموالي فلا ، أرأيت لو هلك أخي اليوم ألست أرثه أنا ، فاختصما إلى
عثمان فقضى لأخيه بولاء الموالي ، وأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أن
عمر وعثمان رضي الله عنهما قالا : الولاء للكبر ، وأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي أن
عليا وعبد الله وزيدا قالوا :
[ ص: 213 ] الولاء للكبر ، وأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي أن
عليا رضي الله عنه قال : إذا أعتقت المرأة عبدا أو أمة ، فهلكت وتركت ولدا ذكرا ، فولاء ذلك المولى لولدها ما كانوا ذكورا ، فإذا انقطعت الذكور رجع الولاء إلى أوليائها ، وقال
شريح : يمضي الولاء على وجهه كما يمضي الميراث ولكن لا يورث الولاء أنثى إلا شيئا أعتقته ، وأخرج من طريق
مالك في الموطأ عن
عبد الله بن أبي بكر أن أباه أخبره أنه كان جالسا عند
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان بن عفان ، فاختصم إليه نفر من
جهينة ونفر من
بني الحارث بن الخزرج ، وكانت امرأة من
جهينة تحت رجل من
بني الحارث ، فماتت المرأة وتركت مالا وموالي ، فورثها ابنها وزوجها ، ثم مات ابنها ، فقال ورثة ابنها : لنا ولاء الموالي قد كان ابنها أحرزه ، وقال الجهنيون : ليس كذلك إنما هم موالي صاحبتنا ، فإذا مات ولدها فلنا ولاؤهم ونحن نرثهم ، فقضى
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان للجهنيين بولاء الموالي ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : وقد روي فيه حديث مرسل يؤكد ما مضى من الآثار ، وأخرجه من طريق
يونس عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005049المولى أخ في الدين ونعمة وأحق الناس بميراثه أقربهم من المعتق " ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : باب من قال : من أحرز الميراث أحرز الولاء ، وأخرج فيه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15716حسين المعلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن
رأب بن حذيفة تزوج امرأة ، فولدت له ثلاثة غلمة ، فورثوا رباعها وولاء مواليها ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص عصبة بنيها ، فأخرجهم إلى
الشام ، فماتوا ، فقدم
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص ، ومات مولى لها وترك مالا ، فخاصمه إخوتها إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فقال
عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005050ما أحرز الولد أو الوالد ، فهو لعصبته من كان " قال : فكتب له كتابا فيه شهادة
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ورجل آخر ، فلما استخلف
عبد الملك اختصموا إلى
هشام بن إسماعيل أو إلى
إسماعيل بن هشام ، فرفعهم إلى
عبد الملك ، فقال : هذا من القضاء الذي ما كنت أراه ، فقضى لنا بكتاب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فنحن فيه إلى الساعة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : كذا في هذه الرواية ، قال : وقد روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان أنهما قالا : الولاء للكبر ، ومرسل
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب عن
عمر أصح من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، قال : وأما الحديث المرفوع فيه ، فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في الولاء ، ثم أخرج من طريق
يزيد بن هارون : أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري وشريك عن
عمران بن مسلم بن رباح عن
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل قال : سمعت
عليا يقول : الولاء شعبة من النسب ، فمن أحرز الميراث فقد أحرز الولاء ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : كذا وجدته في هذه الرواية ، وهو خطأ ، وكان يزيد حمل رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري على رواية
شريك ،
وشريك وهم فيه وإنما لفظ الحديث ما رواه
سليمان [ ص: 214 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=16692عمران بن مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل قال : قال
علي رضي الله عنه : الولاء شعبة من الرق من أحرز الولاء أحرز الميراث ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : هذا هو الصحيح ، وكذلك رواه
مسعر عن
عمران ، وإنما معناه من كان له الولاء كان له الميراث بالولاء ، ثم أخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام : الولاء للذي يحوز الميراث ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : وهذا يحتمل أن يكون المراد به أن الذي يحوز الميراث وهو العصبة الذي يأخذ جميع الميراث هو الذي يأخذ بالولاء دون أصحاب الفروض ، ثم أخرج عن
محمد بن زيد بن المهاجر أنه حضر
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد بن أبي بكر وطلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن وهما يختصمان إلى
ابن الزبير في ميراث
أبي عمرو مولى عائشة ، وكان
عبد الله ورث
عائشة دون
القاسم ؛ لأن أباه كان أخاها لأبيها وأمها ، وكان
محمد أخاها لأبيها ، ثم توفي
عبد الله ، فورثه ابنه
طلحة ، ثم توفي
أبو عمرو ، فقضى به
عبد الله بن الزبير لطلحة ، قال : فسمعت
القاسم بن محمد يقول : سبحان الله ، إن الولاء ليس بمال موضوع يرثه من ورثه ، إنما المولى عصبة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريح عن
عطاء توريث
ابن الزبير ابن عبد الله بن عبد الرحمن دون
القاسم ، قال
عطاء : فعيب ذلك على
ابن الزبير ، هذا ما أورده
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي .
وقد عقد
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور في سننه بابا لذلك ، فأخرج فيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال : قال
شريح : من ملك شيئا حياته ، فهو لورثته من بعد موته ، وقال علي
وعبد الله وزيد : الولاء للكبر ، وأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي أن
عمر وعليا nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وزيدا كانوا يجعلون الولاء للكبر ، وأن
شريحا كان يقول : الولاء بمنزلة المال يجري مجرى الميراث . وروى
محمد بن الحسن صاحب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في الأصل عن
يعقوب عن
الحسن بن عمارة عن
الحكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت وأبي مسعود الأنصاري nindex.php?page=showalam&ids=111وأسامة بن زيد رضوان الله عليهم أنهم قالوا : الولاء للكبر ، وروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة عن
حماد عن
إبراهيم مثله . قال : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة الذي يأخذ به وقول
أبي يوسف ومحمد ، ثم روى عن
يعقوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
إبراهيم عن
شريح أنه قال : الولاء بمنزلة المال ، قال : وليس يأخذ بهذا
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ولا
أبو يوسف ومحمد .
( فائدة ) قولهم :
الولاء للكبر ، هو بضم الكاف وسكون الباء : أكبر الجماعة ، ومعناه هنا الأقعد بالنسب ، كذا في صحاح الجوهري ونهاية
ابن الأثير وذكره
الزركشي في شرح الجعبرية وزاد : وليس المراد به الأكبر في السن ، وقال
الحيري في التلخيص : معنى قولهم : الولاء للكبر ؛ أي هو لأقرب عصبات المولى يوم يموت العبد .
[ ص: 215 ] مدرك آخر : قال
السبكي : الأصحاب كلهم مصرحون -
الشيخ أبو حامد وغيره - بأن الولاء لا ينتقل ، ثم قال : قد تقرر أن الولاء لا يورث ، ولكن هل نقول : إنه بنفس العتق ثبت للمعتق وجميع عصباته ؟ أو ثبت للمعتق فقط وبعده يثبت لعصباته لا على جهة الإرث ، بل على جهة أن ثبوته لهم كان بعد موت المعتق ، يخرج من كلام الأصحاب ؟ فيه وجهان ، والصحيح وظاهر الحديث في إلحاق الولاء بالنسب أنه بنفس العتق ثبت للجميع في حياة المعتق ، قال : ولا شك أن كونه عتيقا للسيد يثبت نسبه بينه وبين عصبته حسا ، فإنا نقول : عتيق ابن عم فلان ، ونحو ذلك ، وأما ثبوت هذه النسبة شرعا ، فالحديث يقتضيها وتوقيفها على موت المعتق بعيد وإن أمكن القول به ، ثم خرج على ذلك مسألة ما لو أعتق كافر عبدا مسلما وللمعتق ابن مسلم ، ثم مات العتيق في حياة المعتق ، فإن ميراثه لابن المعتق المسلم على الأرجح ، لا لبيت المال بناء على أن الولاء يثبت للعصبة في حياة المعتق ، ومقابله رأي أنه لا يثبت لهم في حياته ، والمعتق قام به مانع الكفر فانتقل إرثه لبيت المال ، ويوافق الأول قول
الرافعي في الوصايا فيما إذا أعتق مريض عبدا ، ثم قتله السيد أنه لا يرث السيد من ديته ؛ لأنه قاتل ، بل إن كان له وارث أقرب من سيده ، فهي له وإلا فلأقرب عصبات السيد . انتهى .
إذا تقرر ذلك نشأ من هاتين القاعدتين ، أعني كونه لا ينتقض ، وكونه يثبت للعصبة في حياة المعتق أن عصبة العصبة لا يرثون شيئا ؛ لأنه لا سبيل إلى إثباته لمن هو أجنبي من المعتق في حال حياته ، ولا سبيل إلى نقله ، فنشأ من ذلك أنهم لا يرثون منه شيئا .
عود إلى بدء في نقول أخرى مصرحة من كتب سائر المذاهب ، قال
الحيري من أصحابنا في كتاب التلخيص في الفرائض : إذا مات المولى قبل عبده لم ينتقل الولاء إلى عصبته ؛ لأن الولاء كالنسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث ، وقال
شريح وأحمد : هو موروث كما يورث المال ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود نحوه ، والأول أصح عنه ، ثم قال : امرأة أعتقت عبدا ثم ماتت فتركت ابنا وأخا ، ثم مات العبد ، فماله لابن مولاته ، فإن ترك ابنها أباه أو عمه أو ابن عمه ، فأخو المرأة أحق من عصبة ابنها في قول الجمهور ، وعن
عمر وعلي وشريح nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب والحسن nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل : عصبة ابنها أولى ، وهو قياس قول
عبد الله ، وكذلك إن مات أخو المرأة وخلف ابنا ، فهو أولى من عصبة الابن ، وعلى القول الآخر عصبة الابن أولى . انتهى . وهذا مثل ما تقدم في عبارة
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي ، وتلك أصرح ، حيث صرح بأن القول الثاني قول من جعل الولاء موروثا ، وفي الأصل
لمحمد بن الحسن صاحب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ما نصه :
وإذا أعتقت المرأة عبدا ثم ماتت وتركت ابنها وأخاها ، ثم مات ابنها وترك [ ص: 216 ] أخاه لأبيه ، ثم مات العبد المعتق ، فإن ميراثه لأخي المرأة ولا يكون لأخي ابنها من ميراثه شيء ، وكذلك لو كان لابنها ابنة لم ترث من ميراث المولى شيئا ، هذا نصه بحروفه وهو أصرح مما تقدم في عبارة المحيط والمبسوط ، وفي المدونة في عقد موالي المرأة وميراثهم وجر الولاء ونقله : وعقل موالي المرأة على قومها وميراثهم لها ، وإن ماتت هي لولدها الذكور ، فإن لم يكن لها ولد ، فذلك لذكور ولد ولدها دون الإناث ، وينتمي مولاها إلى قومها كما كانت هي تنتمي ، وإذا انقرض ولدها وولد ولدها رجع ميراث مواليها لعصبتها الذين هم أقعد بها يوم يموت المولى دون عصبة الولد . وقاله عدد من الصحابة والتابعين ، وفي كتاب الرابض في خلاصة الفرائض ، تأليف
أبي محمد عبد الله بن أبي بكر بن يحيى بن عبد السلام المالكي ، ما نصه :
كل امرأة تركت موالي ، فميراثهم كميراث مولى الرجل إلا في معنى واحد يرثهم بنوها وبنو بنيها وإن سفلوا ، فإذا انقرضوا رجع الميراث بالولاء إلى عصبة الأم دون عصبة الولاء إلا أن يكون بنوها من عصبتها ، فتكون عصبتهم من عصبتها ، قاله
ابن القاسم ، وفي المغني
nindex.php?page=showalam&ids=13439لابن قدامة الحنبلي ما نصه : لو أن المعتقة مات ابنها بعدها وقبل مولاها وترك عصبة كأعمامه وبني أعمامه ، ثم مات العبد وترك أخا مولاته وعصبة أبيها يصير إرثه لأخي مولاته ؛ لأنه أقرب عصبة المعتق ، فإن المرأة لو كانت هي الميتة لورثها أخوها وعصبتها ، فإن انقرض عصبتها كان بيت المال أحق به من عصبة ابنها ، يروى نحو هذا عن
علي ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان nindex.php?page=showalam&ids=16812وقبيصة بن ذؤيب وعطاء وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأهل
العراق ، وروي عن
علي رواية أخرى أنه لعصبة الابن ، وروي نحو ذلك عن
عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ، وبه قال
شريح ، وهذا يرجع إلى أن الولاء يورث كما يورث المال ، وقد روي عن
أحمد نحو هذا ، واحتجوا بأن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده أن
ريان بن حذيفة تزوج امرأة ، فولدت ثلاثة غلمة ، فماتت أمهم ، فورثوا عنها ولاء مواليها وكان
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص عصبة بنيها ، فأخرجهم إلى
الشام ، فماتوا ، فقدم
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص ومات مولاها وترك مالا ، فخاصمه إخوتها إلى
عمر ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005051ما أحرز الوالد والولد فهو لعصبته من كان " وكتب له كتابا فيه شهادة
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ورجل آخر ، قال : فنحن فيه إلى الساعة . رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه في سننهما ، قال : والصحيح الأول ، فإن الولاء لا يورث على ما ذكرنا من قبل ، وإنما يورث به ، وهو باق للمعتق يرث به أقرب عصباته ومن لم يكن من عصباته لم يرث شيئا ، وعصبات الابن غير عصبات أمه ، فلا يرث الأجانب منها بولائها دون عصباتها ، وحديث
[ ص: 217 ] nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب غلط ، قال
حميد : الناس يغلطون
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب في هذا الخبر ، فعلى هذا لا يرث المولى العتيق من موالي معتقه إلا عصباته الأقرب منهم فالأقرب على ما ذكرنا في ترتيب العصبات . انتهى كلام المغني .