2 - الحظ الوافر من المغنم في استدراك الكافر إذا أسلم
مسألة :
الكافر إذا أسلم وأراد أن يقضي ما فاته في زمن الكفر من صلاة وصوم وزكاة هل له ذلك ؟ وهل ثبت أن أحدا من الصحابة فعل ذلك حين أسلم ؟ .
الجواب : نعم له ذلك ، وذلك مأخوذ من كلام الأصحاب إجمالا وتفصيلا ، وأما الإجمال فقال
النووي في شرح المهذب : اتفق أصحابنا في كتب الفروع على أن الكافر الأصلي لا تجب عليه الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، وغيرها من فروع الإسلام ، ومرادهم أنهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم ، وإذا أسلم أحدهم لم يلزمه قضاء الماضي ، فاقتصر على نفي اللزوم فيبقى الجواز ، وعبارة المهذب : فإذا أسلم لم يخاطب بقضائها لقوله تعالى : (
قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) ولأن في إيجاب ذلك عليهم تنفيرا ; فعفي عنه فاقتصر على نفي الإيجاب فيبقى الجواز ، أو الاستحباب .
وأما التفصيل فإن الفقهاء قد قرنوا في كتاب الصلاة بين الكافر والصبي والمجنون والمغمى عليه والحائض في عدم وجوب الصلاة ، ونص بعضهم على أن
الصبي إذا بلغ ، وقد فاتته صلاة يسن له قضاؤها ، ولا تجب عليه ، وأن المجنون
[ ص: 32 ] والمغمى عليه يستحب لهما قضاء الصلاة الفائتة في زمن الجنون والإغماء - كذا نقله
الأسنوي عن البحر
للروياني ، ونقل عنه ، وعن شرح الوسيط
للعجلي أن الحائض يكره لها القضاء .
فهذه فروع منقولة ، والكافر في معنى ذلك فيجوز له القضاء ، إن لم يصل الأمر إلى درجة الاستحباب ، ولا يمكن القول بالتحريم بل ولا بالكراهة ، ويفارق الحائض ، فإن ترك الصلاة للحائض عزيمة وبسبب ليست متعدية به والقضاء لها بدعة ، ولهذا قالت
عائشة لمن سألتها عن ذلك : أحرورية أنت ؟ .
وقد انعقد الإجماع على عدم وجوب الصلاة عليها ، وترك الصلاة للكافر بسبب هو متعد به وإسقاط القضاء عنه من باب الرخصة مع قول الأكثرين بوجوبها عليه حال الكفر ، وعقوبته عليها في الآخرة كما تقرر في الأصول . فاتضح بهذا الفرق بينه وبين الحائض حيث يكره لها القضاء ، ولا يكره له ، بل يجوز ، أو يندب ، ويقاس بصلاة الكافر جميع فروع الشريعة من زكاة وصوم ، هذا ما أخذته من نصوص المذهب .
وأما الأدلة فوردت أحاديث يستنبط منها جواز ذلك ، بل ندبه : منها ما أخرجه الأئمة الستة وغيرهم
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004778عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قال : يا رسول الله ، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام . قال : " أوف بنذرك " . قال
النووي في شرح مسلم : من قال : إن
نذر الكافر لا يصح - وهم جمهور أصحابنا - حملوا الحديث على الاستحباب أي يستحب لك أن تفعل الآن مثل الذي نذرته في الجاهلية . انتهى .
وفي هذا دلالة على أن الكافر يستحب له أن يتدارك القرب التي لو فعلها في حال كفره لم تصح منه ، ولو كان مسلما لزمته ، وهذه دلالة ظاهرة لا شبهة فيها ، وقال
الخطابي في معالم السنن : في هذا الحديث دلالة على أن الكفار مخاطبون بالفرائض مأمورون بالطاعة .
وقال
القمولي من متأخري أصحابنا في الجواهر : إذا نذر الكافر لم يصح نذره لكن يندب له الوفاء إذا أسلم فلو نذر اليهودي ، أو النصراني صلاة ، أو صوما ، ثم أسلم استحب له الوفاء ، ويفعل صلاة شرعنا ، وصوم شرعنا ، لا صلاة شرعه وصومه . هذا كلام
القمولي .
وقال
ابن دقيق العيد في شرح العمدة : استدل بهذا الحديث من يرى صحة النذر من الكافر ، وهو قول ، أو وجه في مذهب الشافعي والأظهر أنه لا يصح ; لأن النذر قربة والكافر ليس من أهل القرب ، ومن يقول بهذا يحتاج إلى أن يؤول الحديث بأنه أمر أن يأتي باعتكاف يوم يشبه ما نذر فأطلق عليه أنه منذور لشبهه بالنذر وقيامه مقامه في
[ ص: 33 ] فعل ما نواه من الطاعة ، وعلى هذا يكون قوله : أوف بنذرك . من مجاز الحذف ، أو مجاز التشبيه ، ومنها ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=16004779عن nindex.php?page=showalam&ids=137حكيم بن حزام قال : قلت : يا رسول الله ، أشياء كنت أفعلها في الجاهلية ، يعني أتبرر بها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسلمت على ما سلف من الخير . قلت : فوالله لا أدع شيئا منعته في الجاهلية ، إلا فعلت في الإسلام مثله .
قلت : هذا الحديث يؤخذ منه بدلالة الإشارة استدراك ما فات في الجاهلية ، فإنه لما صدر منه ما صدر من القربات في الجاهلية كأنه لم يرها تامة لفقد وصف الإسلام فأعاد فعلها في الإسلام استدراكا لما فات من وصف التمام ، وأخرج
الحاكم في المستدرك عن
هشام عن أبيه قال : أعتق
حكيم مائة رقبة وحمل على مائة بعير في الجاهلية فلما أسلم أعتق مائة وحمل على مائة بعير .
هذا الحديث فيه التصريح بوفائه بما وعد به . ومنها ما روي
أن أبا سفيان لما أسلم قال : يا رسول الله ، لا أترك موقفا قاتلت فيه المسلمين إلا قاتلت مثله الكفار ، ولا درهما أنفقته في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت مثله في سبيل الله . هذا الحديث صريح بمنطوقه في استدراك تكفير ما مضى في الكفر من فعل المناهي ، وهو غير لازم فيحمل على الندب ويؤخذ من فحواه استحباب استدراك ما مضى في الكفر من ترك الأوامر .
وأخرج
الحاكم في المستدرك ، وصححه
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004781عن nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم جئت : مرحبا بالراكب المهاجر ، مرحبا بالراكب المهاجر . فقلت : والله يا رسول الله ، لا أدع نفقة أنفقتها إلا أنفقت مثلها في سبيل الله . هذا أيضا من استدراك تكفير ما مضى من فعل المنهيات في حال الكفر .