مسألة : في
قوله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=16005356حياتي خير لكم وموتي خير لكم " فقد أشكل من جهة تنزيل المقصود منه على القواعد النحوية بناء على أن أفعل التفضيل يوصل بمن عند تجرده ، ووصله بها غير متأت بحسب الظاهر ؛ إذ يصير الكلام : حياتي خير لكم من مماتي ، ومماتي خير لكم من حياتي ، وهو مشكل .
الجواب : إنما حصل الإشكال من ظن أن خيرا هنا أفعل تفضيل ، وليس كذلك ; فإن لفظة خير لها استعمالان : أحدهما أن يراد بها معنى التفضيل لا الأفضلية ، وضدها الشر ، وهي كلمة باقية على أصلها لم يحذف منها شيء ، والثاني أن يراد بها معنى الأفضلية ، وهي التي توصل بمن ، وهذه أصلها أخير ، حذفت همزتها تخفيفا ، ويقابلها شر التي أصلها أشر ، قال في الصحاح : الخير ضد الشر ، قال الشاعر :
فما كنانة في خير مخامرة ولا كنانة في شر بأشرار
[ ص: 451 ] وتأنيث هذه خيرة وجمعها خيرات ، وهي الفاضلات من كل شيء ، قال تعالى : (
فيهن خيرات حسان ) (
وأولئك لهم الخيرات ) ، ولم يريدوا به معنى أفعل ، فلو أردت معنى التفضيل قلت : فلانة خير الناس ، ولم تقل : خيرة ، ولا تثنى ولا تجمع ; لأنه في معنى أفعل . انتهى كلام الصحاح . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب في مفردات القرآن : الخير والشر يقالان على وجهين : أحدهما أن يكونا اسمين ، كقوله تعالى : (
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) الثاني أن يكونا وصفين ، وتقديرهما تقدير أفعل ، من نحو : هذا خير من ذاك وأفضل ، وقوله تعالى : (
نأت بخير منها ) ويحتمل الاسمية والوصفية معا قوله تعالى : [ (
وأن تصوموا خير لكم ) وقال
أبو حيان في تفسيره الكبير ، في قوله تعالى : ] (
ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير ) ليس خير هنا أفعل تفضيل ، بل هي للتفضيل لا للأفضلية ، كما في قوله تعالى : (
أفمن يلقى في النار خير ) و (
خير مستقرا ) وفي قول
حسان :
فشركما لخيركما الفداء
انتهى .
إذا عرف ذلك ، فخير في الحديث من القسم الأول ، وهي يراد بها التفضيل لا الأفضلية ، فلا توصل بمن ، وليست بمعنى أفعل وإنما المقصود أن في كل من حياته ومماته صلى الله عليه وسلم خير ، لا أن هذا خير من هذا ، ولا أن هذا خير من هذا .