تحقيق : فإن قلت : ما تحرير المعنى في التخصيص بالتسمية ؟ قلت : فيه معان ، أحدها : أن
الإسلام اسم للشريعة السمحة السهلة كما قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005914بعثت بالحنيفية السمحة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى : (
وما جعل عليكم في الدين من حرج ) : توسعة الإسلام ووضع الإصر الذي كان على
بني إسرائيل ، وشريعة
اليهود والنصارى لا سهولة فيها بل هي في غاية المشقة
[ ص: 151 ] والثقل كما هو معلوم من قوله تعالى : (
ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) ، وغير ذلك فلذلك لا تسمى إسلاما .
المعنى الثاني : أن الإسلام اسم للشريعة المشتملة على فواضل العبادات من الجهاد والحج والوضوء والغسل من الجنابة ونحو ذلك ، وذلك خاص بهذه الأمة لم يكتب على غيرها من الأمم ، وإنما كتب على الأنبياء فقط كما تقدم في أثر
وهب : " أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء ، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل " ، فلذلك سميت هذه الأمة مسلمين كما سمي بذلك الأنبياء والرسل ولم يسم غيرها من الأمم ، ويؤيد هذا المعنى ما أخرجه
أبو يعلى من حديث
علي مرفوعا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005922الإسلام ثمانية أسهم ، شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة والزكاة والحج والجهاد وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " وما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في تفسيره ،
والحاكم في المستدرك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله إلا
إبراهيم قال تعالى : (
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ) قيل ما الكلمات ؟ قال : الإسلام ثلاثون سهما ، عشر في قوله : (
التائبون العابدون ) إلى آخر الآية ، وعشر في أول سورة : (
قد أفلح ) ، و (
سأل سائل ) ، وعشر في الأحزاب (
إن المسلمين والمسلمات ) إلى آخر الآية ، فأتمهن كلهن فكتب له براءة ، قال تعالى : (
وإبراهيم الذي وفى ) .
وأخرج الحاكم من وجه آخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : سهام الإسلام ثلاثون سهما لم يتمها أحد إلا
إبراهيم ومحمد عليهما السلام ، فعرف بذلك أن الإسلام اسم لمجموع هذه السهام ، ولم تشرع كلها إلا في هذه الملة وملة
إبراهيم ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما آية من القرآن باتباع ملة
إبراهيم وهي الحنيفية .
المعنى الثالث : أن الإسلام مدار معناه على الانقياد والإذعان ولم تذعن أمة لنبيها كما أذعنت هذه الأمة ، فلذلك سموا مسلمين ، وكانت الأنبياء تذعن للرسل الذين يأتون بالشرائع كما تقدم في عبارة الراغب فسموا مسلمين ، وكانت الأمم كثيرة الاستعصاء على أنبيائهم كما دلت على ذلك الأحاديث والآثار ، منها : حديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005923إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، وقد قال
المقداد يوم
بدر : لا نقول كما قال
بنو [ ص: 152 ] إسرائيل لموسى : (
فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون والله لو سرت بنا إلى برك الغماد لاتبعناك ، وفي لفظ : لو خضت بنا البحر لخضناه معك ، فلذلك اختصت هذه الأمة بأن سموا مسلمين من بين سائر الأمم ، وكل ما وقع في عبارة السلف من قولهم : الإسلام دين الأنبياء ونحوه ، فمرادهم به دين الأنبياء وحدهم دون أممهم ; لما تقدم تقريره على حد قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16005924هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي .