الوجه الثاني عشر : إن قيل : مقتضى كون الفتنة سبعة أيام مشروعية
التلقين في الأيام السبعة . فالجواب : لا ، أما أولا : فلأن التلقين لم يثبت فيه حديث صحيح ولا حسن ، بل حديثه ضعيف باتفاق المحدثين ؛ ولهذا ذهب جمهور الأمة إلى أن التلقين بدعة ، وآخر من أفتى بذلك الشيخ
عز الدين بن عبد السلام ، وإنما استحبه
ابن الصلاح [ ص: 232 ] وتبعه
النووي نظرا إلى أن الحديث الضعيف يتسامح به في فضائل الأعمال .
وثانيا : أن هذه أمور توقيفية ، لا مدخل للرأي فيها ، ولم يرد التلقين إلا ساعة الدفن خاصة ، وورد في سائر الأيام الإطعام ، فاتبع الوارد في ذلك . فإن قلت : هل يظهر لاختصاص التلقين باليوم الأول من حكمة ؟ قلت : ظهر لي حكمتان :
الأولى : أن المخاطب بذلك من حضر الدفن من المؤمنين الشفعاء ، وذلك إنما يكون في اليوم الأول ؛ لأن الشرع لم يرد بتكليف الناس المشي مع الميت إلى قبره إلا لدفنه خاصة ، ولم يكلفهم التردد إلى قبره بعد ذلك ، فلم يشرع التلقين في سائر الأيام لما في تكليفهم التردد إليه طول الأسبوع من المشقة ، فاقتصر على ساعة الدفن .
الثانية : أن كل مبتدأ صعب ، وأول نزوله قبره ساعة لم يتقدم له مثلها قط ، فأنس بالتلقين وسؤال التثبيت ، فإذا اعتاد بالسؤال أول يوم وألفه سهل عليه بقية الأيام ، فلم يحتج إليه ، وشرع الإطعام لأنه قد يكون له ذنوب يحتاج إلى ما يكفرها من صدقة ونحوها ، فكان في الصدقة عنه معونة له على تخفيف الذنوب ؛ ليخفف عنه هول السؤال ، وصعوبة خطاب الملكين ، وإغلاظهما وانتهارهما .