مسألة : الحكم في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما ناجيان وليسا في النار ، صرح بذلك جمع من العلماء ، ولهم في تقرير ذلك مسالك : المسلك الأول : أنهما ماتا قبل البعثة ، ولا تعذيب قبلها ؛ لقوله تعالى : (
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وقد أطبقت أئمتنا
الأشاعرة من أهل الكلام والأصول والشافعية من الفقهاء على أن من
مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا ، وأنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام ، وأنه إذا قتل يضمن بالدية والكفارة ، نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الإمام الشافعي رضي الله عنه وسائر الأصحاب ، بل زاد بعض الأصحاب وقال : إنه يجب في قتله القصاص ، ولكن الصحيح خلافه ؛ لأنه ليس بمسلم حقيقي ، وشرط القصاص المكافأة ، وقد علل بعض الفقهاء كونه إذا مات لا يعذب بأنه على أصل الفطرة ، ولم يقع منه عناد ، ولا جاءه رسول فكذبه ، وهذا المسلك أول ما سمعته
[ ص: 245 ] في هذا المقام الذي نحن فيه من شيخنا شيخ الإسلام
شرف الدين المناوي ، فإنه سئل عن
والد النبي صلى الله عليه وسلم هل هو في النار ؟ فزأر في السائل زأرة شديدة ، فقال له السائل : هل ثبت إسلامه ؟ فقال : إنه مات في الفترة ، ولا تعذيب قبل البعثة . ونقله
سبط ابن الجوزي في كتاب " مرآة الزمان " عن جماعة ، فإنه حكى كلام جده على حديث إحياء أمه صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ما نصه : وقال قوم : قد قال الله تعالى : (
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) والدعوة لم تبلغ أباه وأمه ، فما ذنبهما ، وجزم به
الآبي في " شرح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " ، وسأذكر عبارته ، وقد ورد في
أهل الفترة أحاديث ، أنهم يمتحنون يوم القيامة ، وآيات مشيرة إلى عدم تعذيبهم ، وإلى ذلك مال حافظ العصر شيخ الإسلام
أبو الفضل بن حجر في بعض كتبه ، فقال : والظن بآله صلى الله عليه وسلم - يعني الذين ماتوا قبل البعثة - أنهم يطيعون عند الامتحان إكراما له صلى الله عليه وسلم ؛ لتقر بهم عينه ، ثم رأيته قال في " الإصابة " : ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم ومن مات في الفترة ، ومن ولد أكمه أعمى أصم ، ومن ولد مجنونا أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ، ونحو ذلك ، أن كلا منهم يدلي بحجة ويقول : لو عقلت أو ذكرت لآمنت ، فترفع لهم نار ويقال : ادخلوها ، فمن دخلها كانت له بردا وسلاما ، ومن امتنع أدخلها كرها ، هذا معنى ما ورد من ذلك ، قال : وقد جمعت طرقه في جزء مفرد قال : ونحن نرجو أن يدخل
عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعا فينجو ، إلا
أبا طالب ؛ فإنه أدرك البعثة ولم يؤمن ، وثبت أنه في ضحضاح من نار ، وقد جعلت قصة الامتحان داخلة في هذا المسلك ، مع أن الظاهر أنها مسلك مستقل ، لكني وجدت ذلك لمعنى دقيق لا يخفى على ذوي التحقيق .