7 - ضوء الشمعة في عدد الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : اختلف علماء الإسلام في
العدد الذي تنعقد به الجمعة على أربعة عشر قولا بعد إجماعهم على أنه لا بد من عدد ، وإن نقل
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عن بعض العلماء أنها تصح بواحد ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=14274الدارمي عن
القاشاني فقد قال في شرح المهذب : إن
القاشاني لا يعتد به في الإجماع :
أحدها : أنها تنعقد باثنين أحدهما الإمام كالجماعة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي ،
والحسن بن صالح ،
وداود .
الثاني : ثلاثة أحدهم الإمام ، قال في شرح المهذب : حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، وقال غيره : هو مذهب
أبي يوسف ومحمد حكاه
الرافعي وغيره عن القديم .
الثالث : أربعة أحدهم الإمام ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
والليث ، وحكاه
ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، واختاره وحكاه في شرح المهذب عن
محمد ، وحكاه صاحب
[ ص: 76 ] التلخيص قولا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي في القديم ، وكذا حكاه في شرح المهذب ، واختاره
المزني ، كما حكاه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=13677الأذرعي في القوت ، وهو اختياري .
الرابع : سبعة حكي عن
عكرمة .
الخامس : تسعة حكي عن
ربيعة .
السادس : اثنا عشر في رواية عن
ربيعة حكاه عنه المتولي في التتمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15151والماوردي في الحاوي ، وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ومحمد بن الحسن .
السابع : ثلاثة عشر أحدهم الإمام ، حكي عن
إسحاق بن راهويه .
الثامن : عشرون ، رواية
ابن حبيب عن
مالك .
التاسع : ثلاثون في رواية عن
مالك .
العاشر : أربعون أحدهم الإمام ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ،
وإسحاق ، حكاه عنهم في شرح المهذب .
الحادي عشر : أربعون غير الإمام في أحد القولين
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي .
الثاني عشر : خمسون ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ،
وأحمد ، في إحدى الروايتين عنهما .
الثالث عشر : ثمانون ، حكاه
المازري .
الرابع عشر : جمع كثير بغير قيد ، وهذا مذهب
مالك ، فالمشهور من مذهبه أنه لا يشترط عدد معين ، بل تشترط جماعة تسكن بهم قرية ، ويقع بينهم البيع ولا تنعقد بالثلاثة والأربعة ونحوهم . قال الحافظ
ابن حجر في شرح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ولعل هذا المذهب أرجح المذاهب من حيث الدليل ، وأقول : هو كذلك ؛ لأنه لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص ، وأنا أبين ذلك ، أما اشتراط ثمانين أو ثلاثين أو عشرين أو تسعة أو سبعة فلا مستند له البتة ، وأما الذي قال باثنين فإنه رأى العدد واجبا بالحديث والإجماع ، ورأى أنه لم يثبت دليل في اشتراط عدد مخصوص ، ورأى أن أقل العدد اثنان فقال به قياسا على الجماعة ، وهذا في الواقع دليل قوي لا ينقضه إلا نص صريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا أو بذكر عدد معين ، وهذا شيء لا سبيل إلى وجوده ، وأما الذي قال بثلاثة فإنه رأى العدد واجبا في حضور الخطبة كالصلاة ، فشرط العدد في المأمومين المستمعين للخطبة فإنه لا يحسن عد الإمام منهم ، وهو الذي يخطب ويعظ ، وأما الذي قال بأربعة فمستنده ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في سننه قال : حدثنا
أبو بكر النيسابوري ، ثنا
محمد بن يحيى ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17037محمد بن وهب بن عطية ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15550بقية بن الوليد ، ثنا
معاوية بن يحيى ، ثنا
معاوية بن سعيد التجيبي ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
أم عبد الله الدوسية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004907الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلا أربعة ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : لا يصح هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، وقد أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في سننه من هذا الطريق وله طريق ثان قال
[ ص: 77 ] nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : حدثنا
أبو عبد الله محمد بن علي بن إسماعيل الأيلي ، ثنا
عبيد الله بن محمد بن خنيس الكلاعي ، ثنا
موسى بن محمد بن عطاء ، ثنا
الوليد بن محمد - هو الموقري - ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، حدثتني
أم عبد الله الدوسية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004908الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني :
الموقري متروك ، ولا يصح هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، كل من رواه عنه متروك ، طريق ثالث ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : حدثنا
أبو عبد الله الأيلي ، ثنا
يحيى بن عثمان ، ثنا
عمرو بن الربيع بن طارق ، ثنا
مسلمة بن علي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17026محمد بن مطرف ، عن
الحكم بن عبد الله بن سعد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
أم عبد الله الدوسية قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004909الجمعة واجبة على أهل قرية وإن لم يكونوا إلا ثلاثة رابعهم إمامهم ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني :
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري لا يصح سماعه من
الدوسية ،
والحكم متروك ، طريق آخر : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في الكامل : أخبرنا
ابن مسلم ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17025محمد بن مصفى ، ثنا
بقية ، ثنا
معاوية بن يحيى ، ثنا
معاوية بن سعيد التجيبي ، عن
الحكم بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
أم عبد الله الدوسية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004908الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة ) حتى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة - أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من هذا الطريق وقال :
الحكم بن عبد الله متروك ،
ومعاوية بن يحيى ضعيف ، ولا يصح هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، قلت : قد حصل من اجتماع هذه الطرق نوع قوة للحديث ، فإن الطرق يشد بعضها بعضا خصوصا إذا لم يكن في السند متهم ، ويزيدها قوة ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني قال : حدثنا
علي بن محمد بن عقبة الشيباني ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12474إبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس ، ثنا
إسحاق بن منصور ، ثنا
هريم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12387إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن
قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004910الجمعة واجبة في جماعة إلا على أربعة : عبد مملوك ، أو صبي ، أو مريض ، أو امرأة ) وجه الدلالة منه أنه أطلق الجماعة فشمل كل ما يسمى جماعة ، وذلك صادق بثلاثة غير الإمام ، وأما الذي قال باثني عشر فمستنده ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم عن
جابر : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004911أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا ) وجه الدلالة منه أن العدد المعتبر في الابتداء يعتبر في الدوام ، فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على اثني عشر دل على أن هذا العدد كاف ، قلت : هو دال على صحتها باثني عشر بلا شبهة ، وأما اشتراط اثني عشرة أنها لا تصح بدون هذا العدد فليس فيه دلالة على ذلك ، فإن هذه واقعة عين أكثر ما فيها أنهم انفضوا وبقي اثنا عشر رجلا وتمت بهم الجمعة ، وليس فيها أنه لو بقي أقل من هذا العدد لم تتم بهم ، فإن قلت : فكيف أخذت من الأحاديث السابقة اشتراط أربعة ؟ قلت : لأن قوله
[ ص: 78 ] وإن لم يكونوا إلا أربعة بيان لأقل عدد تجزئ به الجمعة أن ذلك شأن ( أن ) و ( لو ) الوصليتين كما تقرر في العربية أنهما يذكر بعدهما منتهى الأحوال وأندرها ، تقول : أحسن إلى زيد وإن أساء ، وأعط السائل ولو جاء على فرس ، فهاتان الحالتان منتهى غاية المحسن إليه والمعطى ، ومنه قوله تعالى : (
كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ) فليس بعد مرتبة النفس والوالدية والأقربية مرتبة تذكر ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004912وإن لم يكونوا إلا أربعة ) بيان لمنتهى مراتب العدد المجزئ ، ولو كان أقل منه مجزئا لذكره ، ويرشد إلى ذلك التعبير بالغاية في قوله في الحديث الآخر ، حتى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة ، فإن هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم تنزل إلى مراتب الأعداد حتى انتهت غايته إلى ذكر الثلاثة ، فإن قلت : فعلى هذا يشترط ثلاثة لا أربعة .
قلت : المراد ثلاثة غير الإمام ; لقوله في الحديث الآخر : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004913وإن لم يكونوا إلا ثلاثة رابعهم إمامهم ) فإن قلت : مسلم دلالة الحديث على ما ذكرت غير أنه لم يثبت ثبوت الأحاديث المحتج بها فإنه ضعيف من جميع طرقه ، وإنما يحتج بما بلغ مرتبة الصحة أو الحسن ، قلت : كذلك قولهم بالأربعين حديثه ضعيف ليس له طريق صحيح ولا حسن ، قال
النووي في شرح المهذب : احتج أصحابنا لاشتراط الأربعين بما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي nindex.php?page=hadith&LINKID=16004914عن جابر قال : مضت السنة أن في كل ثلاثة إماما ، وفي كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وفطر وأضحى ، وذلك أنهم جماعة ، قال : لكنه حديث ضعيف ضعفه الحفاظ ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي هو حديث لا يصح الاحتجاج به ، قال
النووي : واحتجوا أيضا بأحاديث بمعناه لكنها ضعيفة ، قال : وأقرب ما يحتج به ما احتج به
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي والأصحاب
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004915عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال : ( أول من جمع بنا في المدينة سعد بن زرارة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في نقيع الخضمات ، قلت : كم كنتم ؟ قال : أربعين رجلا ) حديث حسن رواه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي ، وغيرهما بأسانيد صحيحة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره : وهو حديث صحيح ، قال أصحابنا : وجه الدلالة أن يقال : أجمعت الأمة على اشتراط العدد ، والأصل الظهر ، فلا تصح الجمعة إلا بعدد ثبت فيه التوقيف ، وقد ثبت جوازها بأربعين فلا يجوز بأقل منه إلا بدليل صريح ، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004797صلوا كما رأيتموني أصلي ) ولم تثبت صلاته لها بأقل من أربعين انتهى ، وأقول : لا دلالة في حديث
كعب على اشتراط الأربعين ، لأن هذه واقعة عين ، وذلك أن الجمعة فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو
بمكة [ ص: 79 ] قبل الهجرة ، فلم يتمكن من إقامتها هناك من أجل الكفار ، فلما هاجر من هاجر من أصحابه إلى
المدينة كتب إليهم يأمرهم أن يجمعوا فجمعوا ، واتفق أن عدتهم إذ ذاك كانت أربعين ، وليس فيه ما يدل على أن من دون الأربعين لا تنعقد بهم الجمعة ، وقد تقرر في الأصول أن وقائع الأعيان لا يحتج بها على العموم ، وقولهم : لم يثبت أنه صلى الجمعة بأقل من أربعين يرده حديث الانفضاض السابق فإنه أتمها باثني عشر ، فدل ذلك على أن تعيين الأربعين لا يشترط ، وما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
أبي مسعود الأنصاري قال :
أول من قدم من المهاجرين المدينة nindex.php?page=showalam&ids=104مصعب بن عمير ، وهو أول من جمع بها يوم الجمعة جمعهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اثنا عشر رجلا ، قال الحافظ
ابن حجر : ويجمع بينه وبين حديث
كعب بأن
سعدا كان أميرا وكان
مصعب إماما ، وأغرب من ذلك قول
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي باب ما يستدل به على أن عدد الأربعين له تأثير فيما يقصد منه الجماعة ثم أورد فيه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : جمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت آخر من أتاه ونحن أربعون رجلا فقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004916إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم ، فمن أدرك ذلك فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل الرحم ) فاستدلاله بهذا في غاية العجب ؛ لأن هذه واقعة قصد فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع أصحابه ليبشرهم ، فاتفق أن اجتمع له منهم هذا العدد فهل يظن أنه لو حضر أقل منهم لم يفعل ما دعاهم لأجله ؟ وإيراد
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي لهذا الحديث أقوى دليل على أنه لم يجد من الأحاديث ما يدل للمسألة صريحا ، وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس مرفوعا : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004917إذا راح منا سبعون رجلا إلى الجمعة كانوا كسبعين موسى الذين وفدوا إلى ربهم أو أفضل ) ولم يستدل أحد بهذا الحديث على اشتراط سبعين في الجمعة مع أنه أوجه من كثير مما استدلوا به على غيره من العدد ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في البسيط في الاستدلال على اعتبار الأربعين : مستند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في هذا العدد أن الأصل في الظهر الإتمام إلا بشرائط ، والعدد بالإجماع شرط ، وللشرع اعتناء بكثرة الجمع ، ولذلك لا تنعقد جمعتان في بلدة ولا بد من مستند التقدير ، وأقل ما يحصل به الاقتداء غير كاف فيكفي أدنى مستند ، وقد روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004918عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله أنه قال : مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة ، واستأنس
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، وانضم إليه أنه لم يعتبر أحد زيادة على أربعين ، فكان هذا الاتقاء بالاحتياط - هذا كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ، وفي النهاية لإمام الحرمين نحوه ، فانظر إلى هذا المستند المركب من ثلاثة أمور : الأول : حديث ضعيف لا تقوم به الحجة مع أنه معارض بحديث آخر ، ومع كون هذا
[ ص: 80 ] الحديث غير مصرح برفعه ، والحديث المعارض له مصرح برفعه ، وإذا قايست بين الحديثين من جهة الإسناد كان إسناد الحديث المعارض أمثل من إسناد هذا الحديث ، والأمر الثاني مذهب تابعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رضي الله عنه لا يحتج بمذهب الصحابي فضلا عن التابعي ، ثم هو معارض بما حكى عن غيره من التابعين . والثالث الأمر المنضم إليه ولا حجة فيه مع بطلانه في نفسه ، فإنه قد ثبت اعتبار الزيادة على الأربعين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز كما تقدم ، والروايتان عنه في سنن
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، فأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى أن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل المياه فيما بين
الشام إلى
مكة جمعوا إذا بلغتم أربعين ، وأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=11916أبي المليح الرقي قال : أتانا كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : إذا بلغ أهل القرية أربعين رجلا فليجمعوا . وأخرج عن
معاوية بن صالح قال : كتب
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز قال : أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلا فليؤمهم رجل منهم وليخطب عليهم ليصل بهم الجمعة ، ويوافق اشتراط الخمسين ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير
nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني عن
أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004919الجمعة على الخمسين رجلا وليس على ما دون الخمسين جمعة ) ولفظ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني على الخمسين جمعة ليس فيما دون ذلك لكنه ضعيف ، ومع ضعفه فهو محتمل للتأويل ؛ لأن ظاهره أن هذا العدد شرط للوجوب لا شرط للصحة ، فلا يلزم من عدم وجوبها على من دون الخمسين عدم صحتها منهم ، وعندي أن الروايتين الواردتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ليستا باختلاف قولين له بل المراد منهما ، ومن حديث
أبي أمامة المذكور ، ومن حديث
جابر الذي احتجوا به للأربعين ، ومن الأثر الذي أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : كل قرية فيها أربعون رجلا فعليهم الجمعة ، بيان
شرط المكان الذي تصح فيه الجمعة لا العدد الذي تنعقد به ، فإن الجمعة لا تصح في كل مكان بل في مكان مخصوص ، إما
مصر ، قال
علي رضي الله عنه : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع . وإما بلد أو قرية ، ولا تصح في فضاء ولا صحراء ، فأريد بالأحاديث والآثار المذكورة بيان المكان الذي يصلح ، ولا يصلح أن يسمى بلدا أو قرية إلا ما كان فيها من الرجال قاطنا جمع نحو الأربعين والخمسين وما شاكل ذلك ، فذكر
عمر في أحد كتبه الأربعين وفي بعضها الخمسين كل منهما على وجه المثال لا التحديد بالعدد المخصوص ، ويفيد هذا أنه إذا قطن في مكان نحو هذا العدد صح أن تقام به الجمعة ، ثم إن أقامها أقل من هذا العدد وهم بعض من فيها صحت منهم ، ويؤيد هذا التأويل الذي ظهر لي وأنه هو المراد ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن
جعفر بن برقان قال : كتب
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز إلى
عدي بن عدي الكندي : انظر كل قرية
[ ص: 81 ] أهل قرار ليسوا بأهل عمود ينتقلون فأمر عليهم أميرا ثم مره فليجمع بهم ، وأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد فقال : كل مدينة أو قرية في جماعة وعليهم أمير أمروا بالجمعة فليجمع بهم ، فإن
أهل الإسكندرية ومدائن
مصر ومدائن سواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة . وأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر الذي سئل عن القرى التي بين
مكة والمدينة ما ترى في الجمعة فيها ؟ قال : نعم إذا كان عليهم أمير فليجمع ، ومما يؤيد أيضا أنها ذكرت لبيان المكان الصالح لا العدد الحاضر أن في حديث
جابر الذي استدلوا به للأربعين عطفا على جمعة وفطر وأضحى ، فلو كان الحديث لبيان اشتراط الأربعين في الجمعة وأنها لا تصح ممن دونهم للزم مثل ذلك أيضا في الفطر والأضحى ، فكان يشترط في صحتهما حضور الأربعين ولا يصحان ممن دونهم ، وليس كذلك ، فعلم أن المراد بيان المكان الذي يصلح لمشروعية إقامة الجمعة والأعياد فيه بحيث يؤمر أهله بذلك وبالاجتماع له ، ثم أي جمع أقام الجمعة صح ذلك منهم ، وأي جمع أقام الأعياد صح ذلك منهم ، ومما يؤيد ذلك أيضا التعبير ( بفي ) حيث قيل في كل أربعين جمعة دون ( من ) وسائر حروف الجر فدل على أن المراد بالعدد إيقاعها فيهم لا منهم ولا بد ، وذلك صادق بأي جمع أقاموها في بلد استوطنه أربعون ، وهذا استنباط حسن دقيق .
والحاصل أن الأحاديث والآثار دلت على اشتراط إقامتها في بلد يسكنه عدد كثير بحيث يصلح أن يسمى بلدا ، ولم تدل على اشتراط ذلك العدد بعينه في حضورها لتنعقد ، بل أي جمع أقاموها صحت بهم ، وأقل الجمع ثلاثة غير الإمام فتنعقد بأربعة أحدهم الإمام ، هذا ما أداني الاجتهاد إلى ترجيحه ، وقد رجح هذا القول
المزني كما نقله عنه
nindex.php?page=showalam&ids=13677الأذرعي في القوت وكفى به سلفا في ترجيحه ، فإنه من كبار الآخذين عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن كبار رواة كتبه الجديدة ، وقد أداه اجتهاده إلى ترجيح القول القديم ، ورجحه أيضا من أصحابنا
nindex.php?page=showalam&ids=15286أبو بكر بن المنذر في الأشراف ، ونقله عنه
النووي في شرح المهذب ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي في الحاوي : قال
المزني : احتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بما لا يثبته أصحاب الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم
المدينة جمع بأربعين انتهى ، وهذا هو الذي استدل به
الرافعي في الشرح ، وقال الحافظ
ابن حجر في تخريجه : لم أره ، ثم أورد حديث
كعب وقال : إنه لا دلالة فيه ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : وقد قدح في حديث
كعب بأنه مضطرب لا يصح الاحتجاج به ; لأنه يروي تارة أن
مصعبا [ ص: 82 ] صلى بالناس ، ويروي تارة أخرى أن
سعد بن زرارة صلى بهم ، وروى تارة
بالمدينة ، وتارة ببني بياضة ، فلأجل اضطرابه واختلاف روايته لا يصح الاحتجاج به ، قلت : ومن اضطرابه أنه روى أنهم كانوا أربعين ، وروى أنهم كانوا اثني عشر كما تقدم ، ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : ومن الدليل ما روى
سليمان بن طريف عن
مكحول عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا اجتمع أربعون رجلا فعليهم الجمعة ، وهذا الحديث أورده صاحب التتمة ثم
الرافعي ، وقال الحافظ
ابن حجر في تخريجه : لا أصل له ، وأورد
الرافعي وغيره حديث
أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لا جمعة إلا بأربعين ، قال الحافظ
ابن حجر أيضا : ولا أصل له ، وقال
ابن الرفعة في الكفاية : إن انتفت الأدلة المنصوصة على اعتبار الأربعين قلنا : الأصل الظهر عاما ، وإنما يرد إلى ركعتين بشرائط منها العدد وأصله مشروط بالإجماع ، ولم ينقل عن الشارع لفظ صريح في التقدير ، وفهم منه طلب تكثير الجماعة لأنه لم يشرع جمعتين في بلد فأكثر كما في غيرها من الصلوات ، وأكثر ما قيل فيه أربعون فأخذنا به احتياطا ، ثم قال : وقد اعترض بعضهم على هذا بأن الإمام
أحمد اشترط في عقدها خمسين في أحد قوليه .
قلت : وحاصل ما ذكره
ابن الرفعة أنه لم يوجد دليل من النص على اعتبار الأربعين فعدل إلى هذه الطريقة من الاستدلال ، وهذا هو الذي عول عليه
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي ، وإمام الحرمين ،
nindex.php?page=showalam&ids=14847والغزالي ، وغيرهم ، وتبعهم
الرافعي والنووي .
( خاتمة ) : اعلم أن ترجيحنا لهذا القول أولى من ترجيح المتأخرين جواز
تعدد الجمعة ، فإنه ليس
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي نص بجواز التعدد أصلا لا في الجديد ولا في القديم ، وإنما وقع منه في القديم سكوت فاستنبطوا منه رأيا بالجواز ، ثم زادوا فرجحوه على نصوصه في الكتب الجديدة ، وهو نفسه قد قال : لا ينسب لساكت قول ، فكيف ينسب إليه قول من سكوته ويرجح على نصوصه المصرحة بخلافه ، وأما الذي نحن فيه فإنه نص له صريح ، وقد اقتضت الأدلة ترجيحه فرجحناه فهو في الجملة قول له قام الدليل على ترجيحه على قوله الثاني فهو أولى ممن ترك نصه بالكلية ، وذهب إلى ترجيح شيء خلافه لم ينص عليه البتة ، ثم يصير لهذه المسألة أسوة بالمسائل التي صحح فيها
النووي القول القديم كمسألة امتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق . ومسألة تفضيل غسل الجمعة على غسل الميت ، ومسألة صوم الولي عن قريبه الميت وأشباه ذلك .