456 -
nindex.php?page=showalam&ids=15874ذو النون المصري
ومنهم العلم المضي ، والحكم المرضي الناطق بالحقائق ، الفائق للطرائق ، له العبارات الوثيقة والإشارات الدقيقة . نظر فعبر وذكر فازدجر
nindex.php?page=showalam&ids=15874أبو الفيض [ ص: 332 ] ذو النون بن إبراهيم المصري رحمه الله تعالى .
حدثنا
سليمان بن أحمد ، ثنا
علي بن الهيثم المصري ، قال : سمعت
ذا النون المصري العابد أبا الفيض ، يقول : " اللهم اجعلنا من الذين جازوا ديار الظالمين ، واستوحشوا من مؤانسة الجاهلين ،
وشابوا ثمرة العمل بنور الإخلاص ، واستقوا من عين الحكمة ، وركبوا سفينة الفطنة ، وأقلعوا بريح اليقين ، ولججوا في بحر النجاة ، ورسوا بشط الإخلاص . اللهم اجعلنا من الذين سرحت أرواحهم في العلا ، وحطت همم قلوبهم في عاريات التقى حتى أناخوا في رياض النعيم ، وجنوا من رياض ثمار التسنيم ، وخاضوا لجة السرور ، وشربوا بكأس العيش ، واستظلوا تحت العرش في الكرامة . اللهم اجعلنا من الذين فتحوا باب الصبر وردموا خنادق الجزع وجازوا شديد العقاب وعبروا جسر الهوى ، فإنه تعالى يقول : (
وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) اللهم اجعلنا من الذين أشارت إليهم أعلام الهداية ، ووضحت لهم طريق النجاة ، وسلكوا سبيل إخلاص اليقين " .
حدثنا
أبو عبد الله محمد بن إبراهيم ، حدثني
أحمد بن محمد بن حمدان النيسابوري أبو حامد ، ثنا
عبد القدوس بن عبد الرحمن الشامي ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15874أبا الفيض ذا النون بن إبراهيم المصري يقول : " إلهي وسيلتي إليك نعمك علي ، وشفيعي إليك إحسانك إلي ، إلهي أدعوك في الملأ كما تدعى الأرباب ، وأدعوك في الخلا كما تدعى الأحباب ، أقول في الملأ : يا إلهي ، وأقول في الخلا : يا حبيبي ، أرغب إليك وأشهد لك بالربوبية مقرا بأنك ربي وإليك مردي ، ابتدأتني برحمتك من قبل أن أكون شيئا مذكورا ، وخلقتني من تراب ثم أسكنتني الأصلاب ، ونقلتني إلى الأرحام ، ولم تخرجني برأفتك في دولة أيمة ، ثم
أنشأت خلقي من مني يمنى ، ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث ؛ بين دم ولحم ملتاث ، وكونتني في غير صورة الإناث ، ثم نشرتني إلى الدنيا تاما سويا ، وحفظتني في المهد طفلا صغيرا صبيا ، ورزقتني من الغذاء لبنا مريا ، وكفلتني حجور الأمهات ، وأسكنت قلوبهم رقة لي وشفقة علي ، وربيتني بأحسن تربية ، ودبرتني بأحسن تدبير ، وكلأتني
[ ص: 333 ] من طوارق الجن وسلمتني من شياطين الإنس ، وصنتني من زيادة في بدني تشينني ، ومن نقص فيه يعيبني ، فتباركت ربي وتعاليت يا رحيم ، فلما استهللت بالكلام أتممت علي سوابغ الإنعام ، وأنبتني زائدا في كل عام ، فتعاليت يا ذا الجلال والإكرام .
حتى إذا ملكتني شأني ، وشددت أركاني ، أكملت لي عقلي ، ورفعت حجاب الغفلة عن قلبي ، وألهمتني النظر في عجيب صنائعك وبدائع عجائبك ، وأوضحت لي حجتك ودللتني على نفسك ، وعرفتني ما جاءت به رسلك ، ورزقتني من أنواع المعاش وصنوف الرياش بمنك العظيم وإحسانك القديم ، وجعلتني سويا ، ثم لم ترض لي بنعمة واحدة دون أن أتممت علي جميع النعم ، وصرفت عني كل بلوى ، وأعلمتني الفجور لأجتنبه ، والتقوى لأقترفها ، وأرشدتني إلى ما يقربني إليك زلفى ، فإن دعوتك أجبتني ، وإن سألتك أعطيتني ، وإن حمدتك شكرتني ،
وإن شكرتك زودتني .
إلهي فأي نعم أحصي عددا ؟! وأي عطائك أقوم بشكره ؟! أما أسبغت علي من النعماء أو صرفت عني من الضراء . إلهي أشهد لك بما شهد لك باطني وظاهري وأركاني ، إلهي إني لا أطيق إحصاء نعمك فكيف أطيق شكرك عليها ؟! وقد قلت وقولك الحق : (
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) أم كيف يستغرق شكري نعمك ، وشكرك من أعظم النعم عندي ، وأنت المنعم به علي كما قلت سيدي : (
وما بكم من نعمة فمن الله ) وقد صدقت قولك .
إلهي وسيدي ، بلغت رسلك بما أنزلت إليهم من وحيك غير أني أقول بجهدي ومنتهى علمي ومجهود وسعي ومبلغ طاقتي :
الحمد لله على جميع إحسانه حمدا يعدل حمد الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين " .
حدثنا
عثمان بن محمد العثماني ، ثنا
أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا
محمد بن عبد الملك بن هاشم ، قال : سمعت
ذا النون المصري ، يقول في دعائه : " اللهم إليك تقصد رغبتي ،
وإياك أسأل حاجتي ، ومنك أرجو نجاح طلبتي ، وبيدك مفاتيح مسألتي لا أسأل الخير إلا منك ، ولا أرجوه من غيرك ،
ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك ، يا من جمع كل شيء حكمته ، ويا من نفذ في كل شيء
[ ص: 334 ] حكمه ، يا من الكريم اسمه ، لا أحد لي غيرك فأسأله ، ولا أثق بسواك فآمله ، ولا أجعل لغيرك مشيئة من دونك أعتصم بها وأتوكل عليه ، فمن أسأل إن جهلتك ، وبمن أثق بعد إذ عرفتك ، اللهم إن ثقتي بك ، وإن ألهتني الغفلات عنك وأبعدتني العثرات منك بالاغترار ، يا مقيل العثرات إن لم تتلافني بعصمة من العثرات فإني لا أحول بعزيمة من نفسي ، ولا أروم على خليفة بمكان من أمري .
أنا نعمة منك وأنا قدر من قدرك ، أجري في نعمك وأسرح في قدرك ، أزداد على سابقة علمك ولا أنتقص من عزيمة أمرك ، فأسألك يا منتهى السؤالات ، وأرغب إليك يا موضع الحاجات سواك ، من قد كذب كل رجاء إلا منك ، ورغبة من رغب عن كل ثقة إلا عنك ، أن تهب لي إيمانا أقدم به عليك ، وأوصل به عظم الوسيلة إليك ، وأن تهب لي يقينا لا توهنه بشبهة إفك ، ولا تهنه خطرة شك ، ترحب به صدري ، وتيسر به أمري ، ويأوي إلى محبتك قلبي ، حتى لا ألهو عن شكرك ،
ولا أنعم إلا بذكرك ، يا من لا تمل حلاوة ذكره ألسن الخائفين ، ولا تكل من الرغبات إليه مدامع الخاشعين ، أنت منتهى سرائر قلبي في خفايا الكتم ، وأنت موضع رجائي بين إسراف الظلم .
من ذا الذي ذاق حلاوة مناجاتك فلها بمرضاة بشر عن طاعتك ومرضاتك ؟! رب أفنيت عمري في شدة السهو عنك ، وأبليت شبابي في سكرة التباعد منك ، ثم لم أستبطئ لك كلاءة ومنعة في أيام اغتراري بك وركوني إلى سبيل سخطك ، وعن جهل يا رب قربتني الغرة إلى غضبك ، وأنا عبدك ابن عبدك ، قائم بين يديك متوسل بكرمك إليك ، فلا يزيلني عن مقام أقمتني فيه غيرك ، ولا ينقلني من موقف السلامة من نعمك إلا أنت ، أتنصل إليك بما كنت أواجهك به من قلة استحيائي من نظرك ، وأطلب العفو منك يا رب إذ العفو نعمة لكرمك ، يا من يعصى ويتاب إليه فيرضى كأنه لم يعص ، بكرم لا يوصف وتحنن لا ينعت ، يا حنان بشفقته يا متجاوزا بعظمته ، لم يكن لي حول فأنتقل عن معصيتك إلا في وقت أيقظتني فيه لمحبتك ، وكما أردت أن أكون كنت ، وكما رضيت أن أقول قلت ، خضعت لك وخشعت لك
[ ص: 335 ] إلهي لتعزني بإدخالي في طاعتك ، ولتنظر إلي نظر من ناديته فأجابك واستعملته بمعونتك فأطاعك ، يا قريب لا تبعد عن المعتزين ، ويا ودود لا تعجل على المذنبين اغفر لي وارحمني يا أرحم الراحمين " .