606 -
أبو جعفر المجذوم
ومن الأتقياء الأبرياء ، والضعفاء الأقوياء ، الأخفياء الأولياء
المجذوم أبو جعفر ، كان مسكينا خاضعا ، فكان الحق له معينا صانعا .
سمعت
أبا الفضل أحمد بن عمران الهروي يقول : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17156منصور بن عبد الله ، يقول : سمعت
أبا الحسين الدراج ، يقول : " كان يصحبني كل سنة حججت جماعة من المشاة من الفقراء وغيرهم - لمعرفتي بالطرق والمياه -فكنت أتولى القيام بأمرهم فعزمت سنة من السنين أن أحج منفردا لا يصحبني أحد ولا أصحب أحدا فخرجت فدخلت
مسجد القادسية فرأيت رجلا مجذوما مبتلى في المحراب فسلم
[ ص: 334 ] علي وقال : يا
أبا الحسين عزمت الحج ؟ فأجبته مغتاظا عليه فقلت : نعم ، فقال لي : فالصحبة ، فقلت في نفسي : هربت من الأصحاء الأقوياء أبتلى بمجذوم مبتلى ؟ فقلت : لا ، فقال لي : افعل فقلت : والله لا فعلت ، فقال لي : يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي ، فقلت : نعم - كالمنكر عليه - فتركته فصليت العصر ومشيت نحو المغيثة فبلغتها من الغد ضحوة فدخلت مسجدها فإذا الشيخ جالس في المحراب فسلم علي وقال لي : يا
أبا الحسين ،
يصنع الله بالضعيف حتى يتعجب القوي ، فاعترضني الوسواس في أمره ولم أجلس وغدوت ماشيا حتى بلغت القرعاء مع الصبح ، فدخلت المسجد فإذا بالشيخ قاعد ، فقال لي : يا
أبا الحسين يصنع الله بالضعيف حتى يتعجب القوي ، قال : فبادرت إليه ووقعت على وجهي بين يديه ، وقلت : المعذرة إلى الله وإليك ، فقال لي : ما لك ؟ قلت : أخطأت ، قال : وما هو ؟ قلت : الصحبة ، قال : قد حلفت وأكره أن أحنثك ، قلت : فأراك في كل منزل ؟ قال : هذا نعم ، قال : فطار عني ما كان من التعجب والجزع ، وما كان بي إلا أن يجمعني وإياه المنازل ، فكنت ألقاه في المنازل إلى أن بلغت
المدينة فغاب عني فلم أره ، فلما قدمت
مكة ذكرت ذلك لمشايخنا
أبي بكر الكتاني وأبي الحسن المزين وغيرهما ، فاستحمقوني وقالوا : ذاك
أبو جعفر المجذوم ، ما منا أحد إلا ويسأل الله رؤيته ولقاءه منذ كذا ، فقلت : قد كان ذاك ، فقالوا : إن لقيته فتلطف له وأعلمنا لعلنا نراه ، فقلت : نعم . فطلبته
بمنى وعرفات فلم أره ، فلما كان يوم النحر وأنا أرمي الجمرة جذبني إنسان وقال : السلام عليك
أبا الحسين ، فنظرت فإذا هو ، فلحقني من رؤيته أن صحت وغشي علي وسقطت فذهب ، فقصدت
مسجد الخيف وأخبرت أصحابي فعاتبوني ، فكنت أصلي يوم الوداع خلف المقام ركعتين رافعا يدي فجذبني إنسان من خلفي فالتفت ، فقال : يا
أبا الحسين عزمت عليك أن لا تصيح ، فقلت : نعم ، لكن أسألك الدعاء لي ، فقال : سل ما شئت ، فسألت الله ثلاثا فأمن على دعائي وغاب عني فلم أره ، قال
منصور : فسألت
أبا الحسين الدراج عن سؤالاته ، قال : أحدهما قلت : رب حبب إلي الفقر ، فليس
[ ص: 335 ] شيء أحب إلي منه ، والثاني قلت : " اللهم لا تجعلني أبيت عندي ما أدخره لغد ، فأنا من تلك السنة أبيت وليس لي شيء أدخره ، والثالثة قلت : اللهم إذا أذنت لأوليائك في النظر إليك فارزقني ذلك واجعلني منهم ، فأنا أرجو أن يمن الله علي بالثالثة إن شاء الله " .