ذكر
أهل الصفة
قال الشيخ : قد ذكرنا بعض أحوال فريق من نساك الصحابة وعبادهم ، وأقوال جماعة من أئمة الصحابة وأعلامهم من المشتهرين بالمعبود وذكره ، المشغوفين بالفرد ووده . الذين جعلوا للعارفين والعاملين قدوة ، وعلى المفتونين بالدنيا والمقبلين عليها حجة . ونذكر الآن مستعينين بالله شأن
أهل الصفة وأخلاقهم وأحوالهم وتسمية من سمي لنا اسمه بالأسانيد المشهورة ، والشواهد المذكورة .
وهم قوم أخلاهم الحق من الركون إلى شيء من العروض ، وعصمهم من الافتتان بها عن الفروض . وجعلهم قدوة للمتجردين من الفقراء ، كما جعل من تقدم ذكرهم أسوة للعارفين من الحكماء . لا يأوون إلى أهل ولا مال ،
[ ص: 338 ] ولا يلهيهم عن ذكر الله تجارة ولا حال ، لم يحزنوا على ما فاتهم من الدنيا ، ولا يفرحون إلا بما أيدوا به من العقبى . كانت أفراحهم بمعبودهم ومليكهم وأحزانهم على فوت الاغتنام من أوقاتهم وأورادهم ، هم الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، ولم يأسوا على ما فاتهم ، ولم يفرحوا بما أتاهم . حماهم مليكهم عن التمتع بالدنيا والتبسيط فيها ; لكيلا يبغوا ولا يطغوا ، رفضوا الحزن على ما فات من ذهاب وشتات ، والفرح بصاحب نسب إلى بلى ورفات .
حدثنا أبي ثنا
إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا
أحمد بن سعيد ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب ، أخبرني
أبو هانئ ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006705سمعت nindex.php?page=showalam&ids=146عمرو بن حريث وغيره يقولون : إنما نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة : ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ) ذلك بأنهم قالوا : لو أن لنا ، فتمنوا الدنيا . رواه
حيوة ، عن
أبي هانئ .
حدثنا
سليمان بن أحمد ، ثنا
أحمد بن يحيى الحلواني ، ثنا
سعيد بن سليمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك ، عن
حيوة بن شريح ، عن
أبي هانئ ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006706سمعت nindex.php?page=showalam&ids=146عمرو بن حريث ، يقول : نزلت هذه الآية في أهل الصفة : ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ) قال : لأنهم تمنوا الدنيا .
قال الشيخ : زوى الله عز وجل عنهم الدنيا ، وقبضها إبقاء عليهم وصونا لهم ; لئلا يطغوا ، فصاروا في حماه محفوظين من الأثقال ، ومحروسين من الأشغال ، لا تذلهم الأموال ، ولا تتغير عليهم الأحوال .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12115أبو عمرو بن حمدان ، ثنا
الحسين بن سفيان ، ثنا
عبيد الله بن معاذ ، ثنا
معتمر بن سليمان ، قال : قال أبي ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبو عثمان النهدي أنه حدثه
nindex.php?page=showalam&ids=72عبد الرحمن بن أبي بكر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006707أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس ، بسادس ، أو كما قال . وأن أبا بكر جاء بثلاثة ، وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة " . هذا حديث صحيح متفق عليه .
حدثنا
سليمان ، ثنا
علي بن عبد العزيز ، ثنا
أبو نعيم ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16667عمر بن ذر ، ثنا
مجاهد nindex.php?page=hadith&LINKID=16006708أن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أبا هر [ ص: 339 ] فقلت : لبيك يا رسول الله قال : الحق أهل الصفة فادعهم ، قال : وأهل الصفة أضياف الإسلام ، لا يأوون على أهل ولا مال ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها . صحيح متفق عليه .
حدثنا
أبو عمر بن حمدان ، ثنا
الحسين بن سفيان ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17281وهب بن بقية ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15800خالد بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي ، عن
طلحة بن عمرو ، قال :
كان الرجل إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان له بالمدينة عريف نزل عليه ، وإذا لم يكن له عريف نزل مع أصحاب الصفة ، قال : وكنت فيمن نزل الصفة فوافقت رجلا وكان يجري علينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم مد من تمر بين رجلين .
حدثنا
سليمان بن أحمد ، ثنا
محمد بن النضر الأزدي ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17174موسى بن داود ، ثنا
شريك ، عن
عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن
علي بن حسين ، عن
أبي رافع ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006709لما ولدت فاطمة حسينا قالت : يا رسول الله ألا أعق عن ابني؟ قال : لا ولكن احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره ورقا ، أو فضة ، على الأوفاض والمساكين يعني بالأوفاض : أهل الصفة .
حدثنا
محمد بن الحسن ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15541بشر بن موسى ، ثنا
أبو عبد الرحمن المقرئ ، ثنا
حيوة ، أخبرني
أبو هانئ أن
أبا علي الجنبي حدثه أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=16789فضالة بن عبيد يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006710كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في صلاتهم لما بهم من الخصاصة ، وهم أصحاب الصفة ، حتى يقول الأعراب : إن هؤلاء مجانين . رواه
ابن وهب ، عن
ابن هانئ .
حدثنا
محمد بن محمد بن إسحاق ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14451زكريا الساجي ، ثنا
أحمد بن عبد الرحمن ، ثنا عمي
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16795فضيل بن غزوان ، عن
أبي حازم ،
عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : كان من أهل الصفة سبعون رجلا ليس لواحد منهم رداء .
حدثنا
عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا
محمد بن عبد الله بن رستة ، ثنا
أبو أيوب المقرئ ، ثنا
جرير ، عن
عطاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006711عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : كنت في الصفة ، فبعث إلينا النبي صلى [ ص: 340 ] الله عليه وسلم عجوة فكنا نقرن الثنتين من الجوع ، ويقول لأصحابه : إني قد قرنت فاقرنوا .
حدثنا
أبو محمد بن حيان ، ثنا
عبد الرحمن بن محمد بن سلم ، ثنا
هناد بن السري ، ثنا
أبو معاوية ، عن
هشام ،
عن الحسن ، قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الصفة فقال : " كيف أصبحتم " ، قالوا : بخير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتم اليوم خير ، وإذا غدي على أحدكم بجفنة وريح بأخرى ، وستر أحدكم بيته كما تستر الكعبة " ، فقالوا : يا رسول الله نصيب ذلك ونحن على ديننا؟ قال : "نعم " ، قالوا : فنحن يومئذ خير نتصدق ونعتق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا بل أنتم اليوم خير ، إنكم إذا أصبتموها تحاسدتم وتقاطعتم وتباغضتم " . كذا رواه
معاوية مرسلا .
حدثنا
عبد الله بن محمد ، ثنا
أبو يحيى الرازي ، ثنا
هناد بن السري ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17416يونس بن بكير ، ثنا
سنان بن سيسن الحنفي ، حدثني
الحسن ، قال :
بنيت صفة لضعفاء المسلمين ، فجعل المسلمون يوغلون إليها ما استطاعوا من خير ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم فيقول : السلام عليكم يا أهل الصفة ، فيقولون : وعليك السلام يا رسول الله ، فيقول : كيف أصبحتم ، فيقولون : بخير يا رسول الله ، فيقول : أنتم اليوم خير من يوم يغدى على أحدكم بجفنة ويراح عليه بأخرى ، ويغدو في حلة ويروح في أخرى ، وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة ، فقال : نحن يومئذ خير يعطينا الله تعالى فنشكر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل أنتم اليوم خير " .
قال الشيخ رحمه الله : وكان عدد قاطني الصفة يختلف على حسب اختلاف الأوقات والأحوال ، فربما تفرق عنها وانتقص طارقوها من الغرباء والقادمين فيقل عددهم ، وربما يجتمع فيها واردوها من الوراد والوفود فينضم إليهم فيكثرون ، غير أن الظاهر من أحوالهم ، والمشهور من أخبارهم غلبة الفقر عليهم ، وإيثارهم القلة واختيارهم لها . فلم يجتمع لهم ثوبان ، ولا حضرهم من الأطعمة لونان . يدل على ذلك ما : حدثناه
أبو بكر بن مالك ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد [ ص: 341 ] بن حنبل ، حدثني
وكيع ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16795فضيل بن غزوان ، عن
أبي حازم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال :
رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب ، فمنهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من هو أسفل من ذلك ، فإذا ركع أحدهم قبض عليه مخافة أن تبدو عورته .
حدثنا
عبد الله بن جعفر بن أحمد ، ثنا
إسماعيل بن عبد الله ، ثنا
هشام بن عامر ، ثنا
صدقة بن خالد ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15949زيد بن واقد ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=15528بسر بن عبيد الله الحضرمي ، عن
واثلة بن الأسقع ، قال : كنت من
أصحاب الصفة ، وما منا أحد عليه ثوب تام ، وقد اتخذ العرق في جلودنا طوقا من الوسخ والغبار .
حدثنا
عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا
عبد الرحمن بن محمد بن سلم ، ثنا
هناد بن السري ، ثنا
أبو أسامة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير بن حازم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006714كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قسم ناسا من أهل الصفة بين ناس من أصحابه ، فكان الرجل يذهب بالرجل ، والرجل يذهب بالرجلين ، والرجل يذهب بالثلاثة حتى ذكر عشرة ، فكان nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين منهم يعشيهم .
حدثنا
عبد الله بن محمد بن أبي بكر ، ثنا
عبد الله بن محمد بن النعمان ، ثنا
أبو نعيم وحدثنا
أبو بكر الطلحي ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16532عبيد بن غنام ، واللفظ له ، ثنا
أبو بكر بن أبي شيبة ثنا
أبو نعيم ، عن
موسى بن علي ، قال : سمعت أبي يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006715خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة ، فقال : أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحاء والعقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم ، فقلنا : يا رسول الله كلنا نحب ذلك ، قال : أولا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله تعالى خير له من ناقتين ، وثلاث ، وأربع . خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل ؟
قال الشيخ رحمه الله : فحديث
عقبة يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يردهم عند العوارض الداعية إلى تمني الدنيا والإقبال عليها إلى ما هو أليق بحالهم ، وأصلح لبالهم من الاشتغال بالأذكار ، وما يعود عليهم من منافع
[ ص: 342 ] البيان والأنوار ، ويعصمون به من المهالك والأخطار ، ويستروحون إليه مما يرد من الأماني على الأسرار .
حدثنا
محمد بن أحمد بن مخلد ، ثنا
أبو إسماعيل الترمذي ، ثنا
يحيى بن بكير ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16656عمارة بن غزية أن
nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة بن أبي عبد الرحمن أخبره أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006716أقبل أبو طلحة يوما ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم يقرئ أصحاب الصفة ، على بطنه فصيل من حجر يقيم به صلبه من الجوع . كان شغلهم تفهم الكتاب وتعلمه ، ونهمتهم الترنم بالخطاب وتردده ، شاهد ذلك ما : حدثناه
جعفر بن محمد بن عمرو ، ثنا
أبو حصين الوادعي ، ثنا
يحيى بن عبد الحميد ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد ، عن
المعلى بن زياد ، عن
العلاء بن بشير ، عن
أبي الصديق الناجي ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006717عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ، قال : أتى علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أناس من ضعفة المسلمين ، ورجل يقرأ علينا القرآن ويدعو لنا ، ما أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف أحدا منهم وإن بعضهم ليتوارى من بعض من العري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، فأدارها شبه الحلقة ، فاستدارت له الحلقة ، فقال : " بم كنتم تراجعون؟ " قالوا : هذا رجل يقرأ علينا القرآن ويدعو لنا . قال : " فعودوا لما كنتم فيه " ، ثم قال : " الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم " ، ثم قال : " ليبشر فقراء المؤمنين بالفوز يوم القيامة قبل الأغنياء بمقدار خمسمائة عام ، هؤلاء في الجنة ينعمون ، وهؤلاء يحاسبون " . رواه
جعفر بن سليمان ، عن
المعلى بن زياد بإسناده مثله . ورواه
جعفر أيضا ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت البناني ، عن
سلمان مرسلا .
حدثنا
أبو بكر بن مالك ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا
يسار ، ثنا
جعفر ، يعني ابن سليمان - ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15603ثابت البناني ، قال :
كان سلمان في عصابة يذكرون الله عز وجل ، قال : فمر النبي صلى الله عليه وسلم فكفوا فقال : ما كنتم تقولون؟ فقلنا : نذكر الله يا رسول الله ، قال : قولوا فإني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأحببت أن أشارككم فيها ، ثم [ ص: 343 ] قال : " الحمد لله جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم " . رواه
مسلمة بن عبد الله عن عمه ، عن
سلمان مطولا في قصة المؤلفة ، ذكرناه في نظائره في كتاب شرف الفقر .
قال الشيخ رحمه الله : والمتحققون بالفقر من الصحابة وتابعيهم إلى قيام الساعة أمارة وأعلام الصدق لهم شاهرة ، وبواطنهم بمشاهدة الحق عامرة ; إذ الحق شاهدهم وسائسهم . والرسول صلى الله عليه وسلم سفيرهم ومؤدبهم ، وحق لمن أعرض عن الدنيا وغرورها ، وأقبل على العقبى وحبورها ، فعزفت نفسه عن الزائل الواهي ، ونابذ الزخارف والملاهي ، وشاهد صنع الواحد الباقي ، واستروح روائح المقبل الآتي من دوام الآخرة ونضرتها ، وخلود المجاورة وبهجتها ، وحضور الزيارة وزهرتها ، ومعاينة المعبود ولذتها ، أن يكون بما اختار له المعبود من الفقر راضيا ، وعما اقتطعه منه ساليا ، ولما ندبه إليه ساعيا ، ولخواطر قلبه راعيا ، ليصير في جملة المطهرين ، ويحشر في زمرة الضعفاء والمساكين ، ويقرب مما خص به الأبرار من المقربين ، فيغتنم ساعاته عن مخالطة المخلطين ، ويصون أوقاته عن مسالمة المبطلين ، ويجتهد في معاملة رب العالمين ، مقتديا في جميع أحواله بسيد السفراء والمرسلين .
كذا حدثناه
سليمان بن أحمد ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14125الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا
محمد بن أبي خلف ، ثنا
يحيى بن عباد ، ثنا
محمد بن عثمان الواسطي ، عن
ثابت ، عن
أنس ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006719كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجبه نحو الرجل أمره بالصلاة .
قال الشيخ رحمه الله : استوطنوا الصفة فصفوا من الأكدار ، ونقوا من الأغيار ، وعصموا من حظوظ النفوس والأبشار ، وأثبتوا في جملة المصطنع لهم من الأبرار ، فأنزلوا في رياض النعيم ، وسقوا من خالص التسنيم .
حدثنا
أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا
محمد بن عبد الله بن نمير ، ثنا
عمران بن عيينة ، عن
إسماعيل ، عن
أبي صالح ( ومزاجه من تسنيم ) قال : هو أشرف شراب أهل الجنة ، للمقربين صرفا ، وللناس مزاجا .
[ ص: 344 ] قال الشيخ رحمه الله :
وأهل الصفة هم أخيار القبائل والأقطار ، ألبسوا الأنوار . فاستطابوا الأذكار ، واستراحت لهم الأعضاء والأطوار ، واستنارت منهم البواطن والأسرار بما قدح فيها المعبود من الرضا والأخبار ، فأعرضوا عن المشغوفين بما غرهم ، ولهوا عن الجامعين لما ضرهم من الحطام الزائل البائد ، ومسالمة العدو الحاسد ، معتصمين بما حماهم به الواقي الذائد . فاجتزوا من الدنيا بالفلق ، ومن ملبوسها بالخرق ، لم يعدلوا إلى أحد سواه ، ولم يعولوا إلا على محبته ورضاه . رغبت الملائكة في زيارتهم وخلتهم ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على محادثتهم ومجالستهم .
حدثنا
أبو بكر الطلحي ، ثنا
عبيد بن عثام ، ثنا
أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا
أحمد بن المفضل ، ثنا
أسباط بن نصر ، عن
السدي ، عن
أبي سعيد الأزدي ، عن
أبي الكنود ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006720عن nindex.php?page=showalam&ids=211خباب بن الأرت : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وعمار وصهيب وخباب ، في أناس من الضعفاء المؤمنين . فلما رأوهم حقروهم فخلوا به ، فقالوا : إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب قعودا مع هذه الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا . فإذا نحن فرغنا فأقعدهم إن شئت ، قال : نعم ، قالوا : فاكتب لنا عليك كتابا ، فدعا بالصحيفة ليكتب لهم ، ودعا عليا رضي الله عنه ليكتب ، فلما أراد ذلك ، ونحن قعود في ناحية ، إذ نزل جبريل عليه السلام ، فقال : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) إلى قوله : ( فتكون من الظالمين ) ثم ذكر الأقرع وصاحبه ، فقال : ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ) . ثم ذكر فقال تعالى : ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) . فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة ودعانا فأتيناه وهو يقول : سلام عليكم ، فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته ، فكان رسول الله [ ص: 345 ] صلى الله عليه وسلم يجلس معنا ، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا . فأنزل الله عز وجل : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ) . يقول : لا تعد عينك عنهم تجالس الأشراف : ( ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) . أما الذي أغفل قلبه فهو عيينة بن حصن والأقرع ، وأما ( فرطا ) فهلاكا . ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا ، قال : فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي كان يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ، وإلا صبر أبدا حتى نقوم .
رواه
عمر بن محمد العنقزي عن أسباط مثله .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12115أبو عمرو بن حمدان ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14113الحسن بن سفيان ، ثنا
أبو وهب الحراني ، ثنا
سليمان بن عطاء ، عن
مسلمة بن عبد الله ، عن عمه ،
عن nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي ، قال : جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ، وذووهم فقالوا : يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المسجد ، ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم ، يعنون أبا ذر وسلمان وفقراء المسلمين ، وكان عليهم جباب الصوف لم يكن عندهم غيرها ، جلسنا إليك وخالصناك وأخذنا عنك ، أنزل الله عز وجل : ( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) حتى بلغ ( نارا أحاط بهم سرادقها ) يتهددهم بالنار ، فقام نبي الله يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات " .
حدثنا
سليمان بن أحمد ، ثنا
علي بن عبد العزيز ، ثنا
أبو حذيفة ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
المقدام بن شريح ، عن أبيه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006722عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، قال : نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، قال : كنا نستبق إلى النبي ندنو إليه ، فقالت قريش : تدني هؤلاء دوننا؟ فكأن النبي صلى الله عليه وسلم هم بشيء ، فنزلت : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) [ ص: 346 ] الآية . رواه
إسرائيل ، عن
المقدام بن شريح نحوه .
حدثناه
أبو أحمد محمد بن أحمد ، ثنا
عبد الله بن شيرويه ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، أخبرنا
عبيد الله بن موسى ، ثنا
إسرائيل ، عن
المقدام بن شريح الحارثي ، عن أبيه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006723عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر ، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فإنهم ، وإنهم ، قال : فكنت أنا nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسمهما ، قال : فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله ، فحدث به نفسه فأنزل الله عز وجل : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) .
حدثنا
محمد بن أحمد ، ثنا
عبد الله بن شيرويه ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، أخبرنا
جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12318أشعث بن سوار ، عن
كردوس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006724مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وبلال وخباب وعمار ، ونحوهم وناس من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا رسول الله أرضيت بهؤلاء من قومك ؟ أفنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم؟ اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم اتبعناك . قال : فأنزل الله عز وجل : ( وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ) إلى قوله : ( فتكون من الظالمين ) . حدثنا
عمر بن محمد بن حاتم ، ثنا محمد
بن عبيد الله بن مرزوق ، ثنا
عفان ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة ، ثنا
ثابت ، عن
معاوية بن قرة ، عن
عائذ بن عمرو :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006725أن أبا سفيان مر بسلمان وصهيب وبلال فقالوا : ما أخذت السيوف من عنق عدو الله مأخذها ، فقال لهم أبو بكر : تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ، ثم أتى النبي ، فأخبره بالذي قالوا : فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ، والذي نفسي بيده لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ، فرجع إليهم ، فقال : يا إخواني لعلي أغضبتكم؟ فقالوا : لا يا أبا بكر يغفر الله لك .
حدثنا
محمد بن عبد الله ، ثنا
عبد المؤمن بن أحمد الجرجاني ، ثنا
الحسين بن علي السمسار ، ثنا
أبو عبد الرحمن المكتب ، ثنا
المسيب بن شريك ، عن
حميد ، عن
أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
يرفع الله بهذا العلم [ ص: 347 ] أقواما فيجعلهم قادة يقتدى بهم في الخير ، وتقتص آثارهم ، وترمق أعمالهم ، وترغب الملائكة في خلتهم ، وبأجنحتها تمسحهم " .
حدثنا
سليمان بن أحمد ، ثنا
هارون بن ملول ، ثنا
أبو عبد الرحمن المقرئ ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15986سعيد بن أبي أيوب ، ثنا
معروف بن سويد الجذامي أن
أبا عشانة المعافري حدثه أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006727 " هل تدرون أول من يدخل الجنة؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " فقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره ، يموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء فتقول الملائكة : ربنا نحن ملائكتك وسكان سمواتك لا تدخلهم الجنة قبلنا ، فيقول : عبادي لا يشركون بي شيئا تتقى بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته في صدره لم يستطع لها قضاء ، فعند ذلك تدخل عليهم الملائكة من كل باب ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) " .
حدثنا
أبو محمد بن حيان ، ثنا
عبد الله بن محمد بن سوار ، ثنا
أبو هلال الأشعري ، ثنا
محمد بن مروان ، عن
ثابت الثمالي أبي حمزة ، عن
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم :
( أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ) . قال : الغرفة : الجنة ، بما صبروا : على الفقر في دار الدنيا .
قال الشيخ رحمه الله : فأما أسامي
أهل الصفة فقد رأيت لبعض المتأخرين تتبعا على ذكرهم وجمعهم على حروف المعجم ، وضم إلى ذكرهم فقراء المهاجرين الذين قدمنا ذكرهم . وسألني بعض أصحابنا الاحتذاء على كتابه وفي كتابه أسامي جماعة موهوم فيها ; لأن جماعة عرفوا من أهل القبة نسبوا إلى
أهل الصفة وهو تصحيف من بعض النقلة ، وسنبين ذلك إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى . فممن بدأنا بذكره :