قال الشيخ رحمه الله :
فمباني المتصوفة المتحققة في حقائقهم على أركان أربعة : معرفة الله تعالى ، ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله ، ومعرفة النفوس وشرورها ودواعيها ، ومعرفة وساوس العدو ومكائده ومضاله ، ومعرفة الدنيا وغرورها وتفنينها وتلوينها ، وكيف الاحتراز منها والتجافي عنها ، ثم ألزموا أنفسهم بعد توطئة هذه الأبنية دوام المجاهدة ، وشدة المكابدة وحفظ الأوقات ، واغتنام الطاعات ، ومفارقة الراحات ، والتلذذ بما أيدوا به من المطالعات ، وصيانة ما خصوا به من الكرامات ، لا عن المعاملات انقطعوا ، ولا إلى التأويلات ركنوا ، رغبوا عن العلائق ، ورفضوا العوائق ، وجعلوا الهموم هما واحدا ، ومزايلة الأعراض طارفا وتالدا . اقتدوا
بالمهاجرين والأنصار ، وفارقوا العروض والعقار ، وآثروا البذل والإيثار ، وهربوا بدينهم إلى الجبال والقفار ، احترازا من موامقة الأبصار ، أن يومى إليها بالأصابع ، ويشار لما أنسوا به من التحف والأنوار ، فهم الأتقياء الأخفياء والغرباء النجباء ، صحت عقيدتهم فسلمت سريرتهم .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13122أبو بكر بن خلاد ، ثنا
الحارث بن أبي أسامة ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15472محمد بن عمر الواقدي ، ثنا
بكير بن مسمار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر [ ص: 25 ] بن سعد بن أبي وقاص ، سمعه يخبر عن أبيه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006342إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي " .
حدثنا
أبو بكر بن مالك ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا
سفيان بن وكيع ، ثنا
عبد الله بن رجاء ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة ، عن
عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء له " . قيل : ومن الغرباء ؟ قال : " الفرارون بدينهم ، يبعثهم الله يوم القيامة مع عيسى ابن مريم عليهما السلام " .
حدثنا
أبو غانم سهل بن إسماعيل الفقيه الواسطي ، ثنا
عبد الله بن الحسن ، ثنا
إسحاق بن وهب ، ثنا
عبد الملك بن يزيد ، ثنا
أبو عوانة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، عن
أبي وائل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، قال :
إذا أحب الله عبدا اقتناه لنفسه ولم يشغله بزوجة ولا ولد ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه ، إلا رجل يفر بدينه من قرية إلى قرية ، ومن شاهق إلى شاهق ، ومن جحر إلى جحر " .
حدثنا
سليمان بن أحمد ، ثنا
عباس بن الفضل ، ثنا
عبد الله بن محمد بن عائشة ، قال : ثنا
عبد العزيز بن مسلم القسملي ، عن
ليث ، عن
عبيد الله بن زحر ، عن
علي بن يزيد ، عن
القاسم ، عن
أبي أمامة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006345إن من أغبط أوليائي عندي مؤمنا خفيف الحاذ ، ذا حظ من صلاة وصيام ، أحسن عبادة ربه ، وأطاعه في سره ، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع ، وكانت معيشته كفافا وصبر على ذلك ، فعجلت منيته ، وقلت بواكيه ، وقل تراثه " .
قال الشيخ رحمه الله : لهم الأحوال الشريفة ، والأخلاق اللطيفة ، مقامهم منيف ، وسؤالهم ظريف .
حدثنا
سليمان بن أحمد ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12980إبراهيم بن أحمد بن برة الصنعاني ، ثنا
هشام بن إبراهيم أبو الوليد المخزومي ، ثنا
موسى بن جعفر بن أبي كثير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16393عبد القدوس بن حبيب ، عن
مجاهد ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006346عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : " يا غلام ، ألا أحبوك ؟ ألا أنحلك ؟ ألا أعطيك ؟ " قال : قلت : بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، قال : [ ص: 26 ] فظننت أنه سيقطع لي قطعة مال . فقال : " أربع تصليهن في كل يوم وليلة فتقرأ أم القرآن وسورة ، ثم تقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، خمس عشرة مرة ، ثم تركع فتقولها عشرا ، ثم ترفع فتقولها عشرا ، ثم تفعل في صلاتك كلها مثل ذلك ، فإذا فرغت قلت بعد التشهد وقبل التسليم : اللهم إني أسألك توفيق أهل الهدى ، وأعمال أهل اليقين ، ومناصحة أهل التوبة ، وعزم أهل الصبر ، وجد أهل الخشية ، وطلبة أهل الرغبة ، وتعبد أهل الورع ، وعرفان أهل العلم ، حتى أخافك ، اللهم إني أسألك مخافة تحجزني عن معاصيك ، وحتى أعمل بطاعتك عملا أستحق به رضاك ، وحتى أناصحك في التوبة خوفا منك . وحتى أخلص لك النصيحة حبا لك ، وحتى أتوكل عليك في الأمور حسن الظن بك ، سبحان خالق النور . فإذا فعلت ذلك يا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس غفر الله لك ذنوبك صغيرها وكبيرها ، قديمها وحديثها ، سرها وعلانيتها ، وعمدها وخطأها " .
قال الشيخ رحمه الله : هم السفراء إلى الخلق ، والأسراء لدى الحق ، أزعجهم الفرق ، وهيمهم القلق .
حدثنا
العباس بن محمد الكناني ، ثنا
أبو الحريش الكلابي ، ثنا
علي بن يزيد بن بهرام ، ثنا
عبد الملك بن أبي كريمة ، عن
أبي حاجب ، عن
عبد الرحمن بن غنم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
يا معاذ ، إن المؤمن لدى الحق أسير ، يعلم أن عليه رقيبا ، على سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وبطنه وفرجه ، حتى اللمحة ببصره وفتات الطين بأصبعه وكحل عينيه وجميع سعيه ، إن المؤمن لا يأمن قلبه ولا يسكن روعته ولا يأمن اضطرابه ، يتوقع الموت صباحا ومساء ، فالتقوى رقيبه ، والقرآن دليله ، والخوف حجته ، والشرف مطيته ، والحذر قرينه ، والوجل شعاره ، والصلاة كهفه ، والصيام جنته ، والصدقة فكاكه ، والصدق وزيره ، والحياء أميره ، وربه تعالى من وراء ذلك كله بالمرصاد . يا معاذ ، إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من هوى نفسه وشهواته ، وحال بينه وبين أن [ ص: 27 ] يهلك فيما يهوى بإذن الله . يا معاذ : إني أحب لك ما أحب لنفسي ، وأنهيت إليك ما أنهى إلي جبريل - عليه السلام - فلا أعرفنك توافيني يوم القيامة وأحد أسعد بما آتاك الله عز وجل منك " .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12115أبو عمرو بن حمدان ، ثنا
الحسين بن سفيان ، ثنا
محمد بن يحيى بن عبد الكريم ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14131الحسين بن محمد ، عن
أبي عبد الله القشيري ، عن
أبي حاجب ، عن
عبد الرحمن ، عن
معاذ ، وعن
غالب بن شهر ، عن
معاذ ، وعن
مكحول ، عن
عبد الرحمن بن غنم ، عن
معاذ بلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا
معاذ " فذكر نحوه .
قال الشيخ رحمه الله : حبهم للحق ، وفي الحق يحييهم ويفنيهم ، وعمن سواه من الخلق يلهيهم ويسليهم .
حدثنا
عبد الله بن جعفر ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17417يونس بن حبيب ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود ، ثنا
شعبة ، أخبرني
قتادة ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك يحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006348ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان ، من يكن الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يقذف الرجل في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، وأن يحب الرجل العبد لا يحبه إلا لله - أو قال في الله عز وجل " . شك
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود .
ثنا
أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، ثنا
عبد الوهاب ، ثنا
أيوب ، عن
أبي قلابة ، عن
أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16006349ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله تعالى ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله عز وجل ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله عز وجل منه كما يكره أن توقد له نار فيقذف فيها " .
قال الشيخ رحمه الله : فقد ثبت بما روينا من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل وغيره : أن التصوف أحوال قاهرة ، وأخلاق طاهرة ، تقهرهم الأحوال فتأسرهم ، ويستعملون الأخلاق فتظهرهم ، تحلوا بخالص الخدمة ، فكفوا طوارق الحيرة ، وعصموا من الانقطاع والفترة ، ولا يأنسون إلا به ، ولا يستريحون إلا إليه . فهم أرباب القلوب المتسورون بصائب فراستهم على
[ ص: 28 ] الغيوب ، المراقبون للمحبوب ، التاركون للمسلوب ، المحاربون للمحروب ، سلكوا مسلك الصحابة والتابعين ، ومن نحا نحوهم من المتقشفين والمتحققين ، العالمين بالبقاء والفناء ، والمميزين بين الإخلاص والرياء ، والعارفين بالخطرة والهمة والعزيمة والنية ، والمحاسبين للضمائر ، والمحافظين للسرائر ، المخالفين للنفوس ، والمحاذرين من الخنوس بدائم التفكر ، وقائم التذكر ، طلبا للتداني ، وهربا من التواني ، ولا يستهين بحرمتهم إلا مارق ، ولا يدعي أحوالهم إلا مائق ، ولا يعتقد عقيدتهم إلا فائق ، ولا يحن إلى موالاتهم إلا تائق ، فهم سرج الآفاق ، والممدود إلى رؤيتهم بالأعناق ، بهم نقتدي وإياهم نوالي إلى يوم التلاق .