واعلم أن للمفسرين في قوله : (
ما خلق الله في أرحامهن ) ثلاثة أقوال :
الأول : أنه الحبل والحيض معا؛ وذلك لأن المرأة لها أغراض كثيرة في كتمانهما، أما
كتمان الحبل فإن غرضها فيه أن انقضاء عدتها بالقروء أقل زمانا من انقضاء عدتها بوضع الحمل، فإذا كتمت الحبل قصرت مدة عدتها فتزوج بسرعة، وربما كرهت مراجعة الزوج الأول، وربما أحبت التزوج بزوج آخر أو أحبت أن يلتحق ولدها بالزوج الثاني، فلهذه الأغراض تكتم الحبل، وأما
كتمان الحيض فغرضها فيه أن المرأة إذا طلقها الزوج وهي من ذوات الأقراء فقد تحب تطويل عدتها لكي يراجعها الزوج الأول، وقد تحب تقصير عدتها لتبطيل رجعته ، ولا يتم لها ذلك إلا بكتمان بعض الحيض في بعض الأوقات ؛ لأنها إذا حاضت أولا فكتمته، ثم أظهرت عند الحيضة الثانية أن ذلك أول حيضها فقد طولت العدة، وإذا كتمت أن الحيضة الثالثة وجدت فكمثله، وإذا كتمت أن حيضها باق فقد قطعت الرجعة على زوجها، فثبت أنه كما أن لها غرضا في كتمان الحبل، فكذلك في كتمان الحيض، فوجب حمل النهي على مجموع الأمرين.
القول الثاني : أن المراد هو النهي عن كتمان الحمل فقط، واحتجوا عليه بوجوه :
أحدها : قوله تعالى : (
هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) [آل عمران : 6] .
وثانيها : أن الحيض خارج عن الرحم لا أنه مخلوق في الرحم .
وثالثها : أن حمل قوله تعالى : (
ما خلق الله في أرحامهن ) على الولد الذي هو جوهر شريف، أولى من حمله على الحيض الذي هو شيء في غاية الخساسة والقذر، واعلم أن هذه الوجوه ضعيفة؛ لأنه لما كان المقصود منعها عن إخفاء هذه الأحوال التي لا اطلاع لغيرها عليها، وبسببها تختلف أحوال الحرمة والحل في النكاح، فوجب حمل اللفظ على الكل.
القول الثالث : المراد هو النهي عن كتمان الحيض؛ لأن هذه الآية وردت عقيب ذكر الأقراء، ولم يتقدم ذكر الحمل، وهذا أيضا ضعيف؛ لأن قوله : (
ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) كلام مستأنف مستقل بنفسه من غير أن يضاف إلى ما تقدم ، فيجب حمله على كل ما يخلق في الرحم.
أما قوله تعالى : (
إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ) فليس المراد أن ذلك النهي مشروط بكونها مؤمنة، بل هذا كما تقول للرجل الذي يظلم : إن كنت مؤمنا فلا تظلم، تريد إن كنت مؤمنا فينبغي أن يمنعك إيمانك عن ظلمي، ولا شك أن هذا تهديد شديد على النساء، وهو كما قال في الشهادة : (
ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) [البقرة : 283] وقال : (
فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ) [البقرة : 283] والآية دالة على أن
كل من جعل أمينا في شيء فخان فيه فأمره عند الله شديد .