صفحة جزء
ثم قال بعد ذلك : ( وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قوله تعالى : ( وتلك حدود الله ) إشارة إلى ما بينه من التكاليف، وقوله : ( يبينها ) إشارة إلى الاستقبال ، والجمع بينهما متناقض ، وعندي أن هذه النصوص التي تقدمت أكثرها عامة يتطرق إليها تخصيصات كثيرة، وأكثر تلك المخصصات إنما عرفت بالسنة، فكان المراد والله أعلم أن هذه الأحكام التي تقدمت هي حدود الله ، وسيبينها الله تعالى كمال البيان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهو كقوله تعالى : ( لتبين للناس ما نزل إليهم ) [النحل : 44].

المسألة الثانية : قرأ عاصم في رواية أبان : "نبينها" بالنون ، وهي نون التعظيم ، والباقون بالياء على أنه يرجع على اسم الله تعالى.

والمسألة الثالثة : إنما خص العلماء بهذا البيان لوجوه :

أحدها : أنهم هم الذين ينتفعون بالآيات ، فغيرهم بمنزلة من لا يعتد به، وهو كقوله : ( هدى للمتقين ) [البقرة : 2] .

والثاني : أنه خصهم بالذكر كقوله : ( وملائكته ورسله وجبريل وميكال ) [البقرة : 98] .

والثالث : يعني به العرب لعلمهم باللسان .

والرابع : يريد من له عقل وعلم، كقوله : ( وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] والمقصود أنه لا يكلف إلا عاقلا عالما بما يكلفه؛ لأنه متى كان كذلك فقد أزيح عذر المكلف .

والخامس : أن قوله : ( وتلك حدود الله ) يعني ما تقدم ذكره من الأحكام يبينها الله لمن يعلم أن الله أنزل الكتاب وبعث الرسول ليعملوا بأمره وينتهوا عما نهوا عنه.

التالي السابق


الخدمات العلمية