(
ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم ) .
قوله تعالى : (
ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم )
اعلم أن في لفظ العزم وجوها :
الأول : أنه عبارة عن عقد القلب على فعل من الأفعال، قال تعالى : (
فإذا عزمت فتوكل على الله ) [آل عمران : 159] واعلم أن العزم إنما يكون عزما على الفعل، فلا بد في الآية من إضمار فعل ، وهذا اللفظ إنما يعدى إلى الفعل بحرف "على" ، فيقال : فلان عزم على كذا . إذا ثبت هذا كان تقدير الآية : ولا تعزموا على عقدة النكاح، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : والحذف في هذه الأشياء لا يقاس، فعلى هذا تقدير الآية : ولا تعزموا عقدة النكاح أن تقدروها حتى يبلغ الكتاب أجله ، والمقصود منه المبالغة في
النهي عن النكاح في زمان العدة ؛ فإن العزم متقدم على المعزوم عليه، فإذا ورد النهي عن العزم فلأن يكون النهي متأكدا عن الإقدام على المعزوم عليه أولى.
القول الثاني : أن يكون العزم عبارة عن الإيجاب، يقال : عزمت عليكم، أي : أوجبت عليكم ، ويقال : هذا من باب العزائم ، لا من باب الرخص، وقال عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011944عزمة من عزمات ربنا " ، وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011945إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه " ، ولذلك فإن العزم بهذا المعنى جائز على الله تعالى، وبالوجه الأول لا يجوز.
إذا عرفت هذا فنقول : الإيجاب سبب الوجود ظاهرا، فلا يبعد أن يستفاد لفظ العزم في الوجود ، وعلى هذا فقوله : (
ولا تعزموا عقدة النكاح ) أي : لا تحققوا ذلك ولا تنشئوه، ولا تفرغوا منه فعلا (
حتى يبلغ الكتاب أجله ) وهذا القول هو اختيار أكثر المحققين .
[ ص: 115 ]
القول الثالث : قال
القفال رحمه الله : إنما لم يقل : ولا تعزموا على عقدة النكاح؛ لأن المعنى : لا تعزموا عليهن عقدة النكاح، أي : لا تعزموا عليهن أن يعقدن النكاح، كما تقول : عزمت عليك أن تفعل كذا.
فأما قوله تعالى : (
عقدة النكاح ) فاعلم أن أصل العقد الشد، والعهود والأنكحة تسمى عقودا ؛ لأنها تعقد كما يعقد الحبل.
أما قوله تعالى : (
حتى يبلغ الكتاب أجله ) ففي الكتاب وجهان :
الأول : المراد منه : المكتوب ، والمعنى : تبلغ العدة المفروضة آخرها، وصارت منقضية .
والثاني : أن يكون الكتاب نفسه في معنى الفرض ؛ كقوله : (
كتب عليكم الصيام ) [البقرة : 183] فيكون المعنى : حتى يبلغ هذا التكليف آخره ونهايته، وإنما حسن أن يعبر عن معنى : فرض، بلفظ "كتب" لأن ما يكتب يقع في النفوس أنه أثبت وآكد ، وقوله : (
حتى ) هو غاية ، فلا بد من أن يفيد ارتفاع الحظر المتقدم؛ لأن من حق الغاية التي ضربت للحظر أن تقتضي زواله.
ثم إنه تعالى ختم الآية بالتهديد فقال : (
واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ) وهو تنبيه على أنه تعالى لما كان عالما بالسر والعلانية، وجب الحذر في كل ما يفعله الإنسان في السر والعلانية . ثم ذكر بعد الوعيد الوعد، فقال : (
واعلموا أن الله غفور حليم ) .