(
وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم )
قوله تعالى : (
وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم )
فيه قولان :
الأول : أن هذا خطاب للذين أحيوا ، قال
الضحاك : أحياهم ثم أمرهم بأن يذهبوا إلى الجهاد ؛ لأنه تعالى إنما أماتهم بسبب أن كرهوا الجهاد .
[ ص: 141 ] واعلم أن القول لا يتم إلا بإضمار محذوف تقديره : وقيل لهم قاتلوا .
والقول الثاني - وهو اختيار جمهور المحققين - : أن هذا استئناف خطاب للحاضرين ، يتضمن الأمر بالجهاد إلا أنه سبحانه بلطفه ورحمته قدم على الأمر بالقتال ذكر الذين خرجوا من ديارهم لئلا ينكص عن أمر الله بحب الحياة بسبب خوف الموت ، وليعلم كل أحد أنه بترك القتال لا يثق بالسلامة من الموت ، كما قال في قوله : (
قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا ) [ الأحزاب : 16 ] فشجعهم على القتال الذي به وعد إحدى الحسنيين ، إما في العاجل الظهور على العدو ، أو في الآجل الفوز بالخلود في النعيم ، والوصول إلى ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين .
أما قوله تعالى : (
في سبيل الله ) فالسبيل هو الطريق ، وسميت العبادات سبيلا إلى الله تعالى من حيث إن الإنسان يسلكها ، ويتوصل إلى الله تعالى بها ، ومعلوم أن
الجهاد تقوية للدين ، فكان طاعة ، فلا جرم كان المجاهد مقاتلا في سبيل الله .
ثم قال : (
واعلموا أن الله سميع عليم ) أي : هو يسمع كلامكم في ترغيب الغير في الجهاد ، وفي تنفير الغير عنه ، وعليم بما في صدوركم من البواعث والأغراض ، وأن ذلك الجهاد لغرض الدين أو لعاجل الدنيا .