المسألة الثانية : قال بعضهم : المراد بالبسطة في الجسم طول القامة ، وكان يفوق الناس برأسه ومنكبه ، وإنما سمي
طالوت لطوله ، وقيل : المراد من البسطة في الجسم الجمال ، وكان أجمل
بني إسرائيل وقيل : المراد القوة ، وهذا القول عندي أصح لأن المنتفع به في دفع الأعداء هو القوة والشدة ، لا الطول والجمال .
المسألة الثالثة : أنه تعالى قدم البسطة في العلم ، على البسطة في الجسم ، وهذا منه تعالى تنبيه على أن الفضائل النفسانية أعلى وأشرف وأكمل من الفضائل الجسمانية .
الوجه الثالث : في الجواب عن الشبهة قوله تعالى : (
والله يؤتي ملكه من يشاء ) وتقريره أن الملك لله والعبيد لله فهو سبحانه يؤتي ملكه من يشاء ، ولا اعتراض لأحد عليه في فعله ، لأن المالك إذا تصرف في ملكه فلا اعتراض لأحد عليه في فعله .
الوجه الرابع : في الجواب قوله تعالى : (
والله واسع عليم ) وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه تعالى واسع الفضل والرزق والرحمة ، وسعت رحمته كل شيء ، والتقدير : أنتم طعنتم في
طالوت بكونه فقيرا ، والله تعالى واسع الفضل والرحمة ، فإذا فوض الملك إليه ، فإن علم أن الملك لا يتمشى إلا بالمال ، فالله تعالى يفتح عليه باب الرزق والسعة في المال .
والقول الثاني : أنه واسع ، بمعنى موسع ، أي يوسع على من يشاء من نعمه ، وتعلقه بما قبله على ما ذكرناه .
والثالث : أنه واسع بمعنى ذو سعة ، ويجيء فاعل ومعناه ذو كذا ، كقوله : (
عيشة راضية ) [ الحاقة : 21 ] أي : ذات رضا ، وهم ناصب ذو نصب ، ثم بين بقوله : ( عليم ) أنه تعالى مع قدرته على إغناء الفقير عالم بمقادير ما يحتاج إليه في تدبير الملك ، وعالم بحال ذلك الملك في الحاضر والمستقبل ، فيختار لعلمه بجميع العواقب ما هو مصلحته في قيامه بأمر الملك .