(
الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
قوله تعالى : (
الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في كيفية النظم أقوال : الأول : لما بين في هذه الآية المتقدمة أن أكمل من تصرف إليه النفقة من هو ، بين في هذه الآية أن
أكمل وجوه الإنفاق كيف هو ، فقال : (
الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم ) .
والثاني : أنه تعالى ذكر هذه الآية لتأكيد ما تقدم من قوله : (
إن تبدوا الصدقات فنعما هي ) [البقرة : 271] والثالث : أن هذه الآية آخر الآيات المذكورة في أحكام الإنفاق ، فلا جرم أرشد الخلق إلى أكمل وجوه الإنفاقات .
المسألة الثانية : في سبب النزول وجوه :
الأول : لما نزل قوله تعالى : (
للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ) بعث
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف إلى
أصحاب الصفة بدنانير ، وبعث
علي رضي الله عنه بوسق من تمر ليلا ، فكان أحب الصدقتين إلى الله تعالى صدقته ، فنزلت هذه الآية ، فصدقة الليل كانت أكمل .
والثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
إن عليا عليه السلام ما كان يملك غير أربعة دراهم ، فتصدق بدرهم ليلا ، وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرا ، وبدرهم علانية ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ما حملك على هذا ؟ فقال : أن أستوجب ما وعدني ربي ، فقال : لك ذلك " [ ص: 74 ] فأنزل الله تعالى هذه الآية .
والثالث : قال صاحب " الكشاف " : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدق بأربعين ألف دينار : عشرة بالليل ، وعشرة بالنهار ، وعشرة في السر ، وعشرة في العلانية .
والرابع : نزلت في علف الخيل وارتباطها في سبيل الله ، فكان
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة إذا مر بفرس سمين قرأ هذه الآية . الخامس : أن الآية عامة في الذين يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة تحرضهم على الخير ، فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها ولم يؤخروها ولم يعلقوها بوقت ولا حال ، وهذا هو أحسن الوجوه ، لأن هذا آخر الآيات المذكورة في بيان حكم الإنفاقات فلا جرم ذكر فيها أكمل وجوه الإنفاقات والله أعلم .
المسألة الثالثة : قال
الزجاج " الذين " رفع بالابتداء وجاز أن تكون الفاء من قوله : ( فلهم ) جواب الذين لأنها تأتي بمعنى الشرط والجزاء ، فكان التقدير : من أنفق فلا يضيع أجره ، وتقديره أنه لو قال : الذي أكرمني له درهم لم يفد أن الدرهم بسبب الإكرام ، أما لو قال : الذي أكرمني فله درهم يفيد أن الدرهم بسبب الإكرام ، فههنا الفاء دلت على أن حصول الأجر إنما كان بسبب الإنفاق والله أعلم .
المسألة الرابعة : في الآية إشارة إلى أن
صدقة السر أفضل من صدقة العلانية ، وذلك لأنه قدم الليل على النهار ، والسر على العلانية في الذكر .
ثم قال في خاتمة الآية (
فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) والمعنى معلوم ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : أنها تدل على أن
أهل الثواب لا خوف عليهم يوم القيامة ، ويتأكد ذلك بقوله تعالى : (
لا يحزنهم الفزع الأكبر ) [الأنبياء : 103].
المسألة الثانية : أن هذا مشروط عند الكل بأن لا يحصل عقيبه الكفر ، وعند
المعتزلة أن لا يحصل عقيبه كبيرة محبطة ، وقد أحكمنا هذه المسألة ، وههنا آخر الآيات المذكورة في بيان أحكام الإنفاق .