(
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
قوله تعالى : (
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
اعلم أن عادة الله في القرآن مطردة بأنه تعالى مهما ذكر وعيدا ذكر بعده وعدا فلما بالغ ههنا في وعيد المرابي أتبعه بهذا الوعد ، وقد مضى تفسير هذه الآية في غير موضع ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : احتج من قال بأن العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان بهذه الآية فإنه قال :
[ ص: 85 ] (
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) فعطف عمل الصالحات على الإيمان ، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه ومن الناس من أجاب عنه أليس أنه قال في هذه الآية (
وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) مع أنه لا نزاع أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة داخلان تحت (
وعملوا الصالحات ) فكذا فيما ذكرتم ، وأيضا قال تعالى : (
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) [ النحل : 88 ] وقال : (
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ) [ البقرة : 39] .
وللمستدل الأول أن يجيب عنه بأن الأصل حمل كل لفظة على فائدة جديدة ترك العمل به عند التعذر ، فيبقى في غير موضع التعذر على الأصل .
المسألة الثانية : قوله : (
لهم أجرهم عند ربهم ) أقوى من قوله : على ربهم أجرهم ؛ لأن الأول يجري مجرى ما إذا باع بالنقد ، فذاك النقد هناك حاضر متى شاء البائع أخذه ، وقوله : أجرهم على ربهم . يجري مجرى ما إذا باع بالنسيئة في الذمة ، ولا شك أن الأول أفضل .
المسألة الثالثة : اختلفوا في قوله : (
ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لا خوف عليهم فيما يستقبلهم من أحوال القيامة ، ولا هم يحزنون بسبب ما تركوه في الدنيا ، فإن المنتقل من حالة إلى حالة أخرى فوقها ربما يحزن على بعض ما فاته من الأحوال السالفة ، وإن كان مغتبطا بالثانية لأجل إلفه وعادته ، فبين تعالى أن هذا القدر من
الغصة لا يلحق أهل الثواب والكرامة ، وقال
الأصم : لا خوف عليهم من عذاب يومئذ ، ولا هم يحزنون بسبب أنه فاتهم النعيم الزائد الذي قد حصل لغيرهم من السعداء ؛ لأنه
لا منافسة في الآخرة ، ولا هم يحزنون أيضا بسبب أنه لم يصدر منا في الدنيا طاعة أزيد مما صدر حتى صرنا مستحقين لثواب أزيد مما وجدناه وذلك لأن هذه الخواطر لا توجد في الآخرة .
المسألة الرابعة : في قوله تعالى : (
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ) إشكال هو أن المرأة إذا بلغت عارفة بالله وكما بلغت حاضت ، ثم عند انقطاع حيضها ماتت ، أو الرجل بلغ عارفا بالله ، وقبل أن تجب عليه الصلاة والزكاة مات ، فهما بالاتفاق من أهل الثواب ، فدل ذلك على أن
استحقاق الأجر والثواب لا يتوقف على حصول الأعمال ، وأيضا من مذهبنا أن الله تعالى قد يثيب المؤمن الفاسق الخالي عن جميع الأعمال ، وإذا كان كذلك ، فكيف وقف الله ههنا حصول الأجر على حصول الأعمال ؟
الجواب : أنه تعالى إنما ذكر هذه الخصال لا لأجل أن استحقاق الثواب مشروط بهذا ، بل لأجل أن لكل واحد منهما أثرا في جلب الثواب ، كما قال في ضد هذا (
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) [ الفرقان : 68] ثم قال : (
ومن يفعل ذلك يلق أثاما ) [ الفرقان : 68] ومعلوم أن من ادعى مع الله إلها آخر لا يحتاج في استحقاقه العذاب إلى عمل آخر ، ولكن الله جمع الزنا وقتل النفس على سبيل الاستحلال مع دعاء غير الله إلها لبيان أن كل واحد من هذه الخصال يوجب العقوبة .