ثم قال : (
ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الآثم الفاجر ، روي أن
عمر كان يعلم أعرابيا (
إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ) [ الدخان : 43 ، 44 ] فكان يقول : طعام اليتيم ، فقال له
عمر : طعام الفاجر . فهذا يدل على أن الإثم بمعنى الفجور .
المسألة الثانية : قال صاحب " الكشاف " : آثم خبر إن , وقلبه رفع بآثم على الفاعلية كأنه قيل فإنه يأثم قلبه , وقرئ " قلبه " بالفتح كقوله (
سفه نفسه ) [ البقرة : 130 ] وقرأ
ابن أبي عبلة ( أثم قلبه ) أي جعله آثما .
المسألة الثالثة : اعلم أن كثيرا من المتكلمين قالوا . إن الفاعل والعارف والمأمور والمنهي هو القلب ، وقد استقصينا هذه المسألة في سورة الشعراء في تفسير قوله تعالى : (
نزل به الروح الأمين على قلبك ) [ الشعراء :193 ، 194 ] وذكرنا طرفا منه في تفسير قوله : (
قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ) [ البقرة : 97 ] وهؤلاء يتمسكون بهذه الآية ويقولون : إنه تعالى أضاف الآثم إلى القلب فلولا أن القلب هو الفاعل وإلا لما كان آثما .
وأجاب من خالف في هذا القول بأن إضافة الفعل إلى جزء من أجزاء البدن إنما يكون لأجل أن أعظم أسباب الإعانة على ذلك الفعل إنما يحصل من ذلك العضو ، فيقال : هذا مما أبصرته عيني وسمعته أذني وعرفه قلبي ، ويقال : فلان خبيث الفرج ؛ ومن المعلوم أن
أفعال الجوارح تابعة لأفعال القلوب ومتولدة مما يحدث في القلوب من الدواعي والصوارف ، فلما كان الأمر كذلك فلهذا السبب أضيف الآثم ههنا إلى القلب .
ثم قال عز وجل : (
والله بما تعملون عليم ) وهو تحذير من الإقدام على هذا الكتمان ؛ لأن المكلف إذا علم أنه
لا يعزب عن علم الله ضمير قلبه كان خائفا حذرا من مخالفة أمر الله تعالى ، فإنه يعلم أنه تعالى يحاسبه على كل تلك الأفعال ، ويجازيه عليها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .