(
إن الدين عند الله الإسلام ) .
قوله تعالى (
إن الدين عند الله الإسلام ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اتفق القراء على كسر " إن " إلا
الكسائي فإنه فتح " أن " وقراءة الجمهور ظاهرة ، لأن الكلام الذي قبله قد تم ، وأما قراءة
الكسائي فالنحويون ذكروا فيه ثلاثة أوجه :
الأول : أن التقدير : شهد الله أنه لا إله إلا هو أن الدين عند الله الإسلام وذلك لأن
كونه تعالى واحدا موجب أن يكون الدين الحق هو الإسلام ، لأن دين الإسلام هو المشتمل على هذه الوحدانية .
والثاني : أن التقدير : شهد الله أنه لا إله إلا هو ، وأن الدين عند الله الإسلام .
الثالث : وهو قول
البصريين أن يجعل الثاني بدلا من الأول ، ثم إن قلنا بأن
دين الإسلام مشتمل على التوحيد نفسه كان هذا من باب قولك : ضربت زيدا نفسه ، وإن قلنا : دين الإسلام مشتمل على التوحيد كان هذا من باب بدل الاشتمال ، كقولك : ضربت زيدا رأسه .
فإن قيل : فعلى هذا الوجه وجب أن لا يحسب إعادة اسم الله تعالى كما يقال : ضربت زيدا رأس زيد .
قلنا : قد يظهرون الاسم في موضع الكتابة ، قال الشاعر :
[ ص: 181 ] لا أرى الموت يسبق الموت شيء
وأمثاله كثيرة .
المسألة الثانية : في كيفية النظم من قرأ " أن الدين " بفتح " أن " كان التقدير : شهد الله لأجل أنه لا إله إلا هو أن الدين عند الله الإسلام ، فإن الإسلام إذا كان هو الدين المشتمل على التوحيد ، والله تعالى شهد بهذه الوحدانية كان اللازم من ذلك أن يكون الدين عند الله الإسلام ، ومن قرأ " إن الدين " بكسر الهمزة ، فوجه الاتصال هو أنه تعالى بين أن
التوحيد أمر شهد الله بصحته ، وشهد به الملائكة وأولو العلم ، ومتى كان الأمر كذلك لزم أن يقال (
إن الدين عند الله الإسلام ) .
المسألة الثالثة :
أصل الدين في اللغة الجزاء ، ثم الطاعة تسمى دينا لأنها سبب الجزاء ، وأما الإسلام ففي معناه في أصل اللغة أوجه :
الأول : أنه عبارة عن الدخول في الإسلام أي في الانقياد والمتابعة ، قال تعالى : (
ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ) [ النساء : 94 ] أي لمن صار منقادا لكم ومتابعا لكم .
والثاني : من أسلم أي دخل في السلم ، كقولهم : أسنى وأقحط وأصل السلم السلامة .
الثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : المسلم معناه المخلص لله عبادته من قولهم : سلم الشيء لفلان ، أي خلص له
فالإسلام معناه إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى ، هذا ما يتعلق بتفسير لفظ الإسلام في أصل اللغة ، أما في عرف الشرع فالإسلام هو الإيمان ، والدليل عليه وجهان :
الأول : هذه الآية فإن قوله (
إن الدين عند الله الإسلام ) يقتضي أن يكون الدين المقبول عند الله ليس إلا الإسلام ، فلو كان الإيمان غير الإسلام وجب أن لا يكون الإيمان دينا مقبولا عند الله ، ولا شك في أنه باطل .
الثاني : قوله تعالى : (
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) [ آل عمران : 85 ] فلو كان الإيمان غير الإسلام لوجب أن لا يكون الإيمان دينا مقبولا عند الله تعالى .
فإن قيل : قوله تعالى : (
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ) [ الحجرات : 14 ] هذا صريح في أن
الإسلام مغاير للإيمان .
قلنا : الإسلام عبارة عن الانقياد في أصل اللغة على ما بينا ، والمنافقون انقادوا في الظاهر من خوف السيف ، فلا جرم كان الإسلام حاصلا في حكم الظاهر ، والإيمان كان أيضا حاصلا في حكم الظاهر ، لأنه تعالى قال : (
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) [ البقرة : 221 ] والإيمان الذي يمكن إدارة الحكم عليه هو الإقرار الظاهر ، فعلى هذا الإسلام والإيمان تارة يعتبران في الظاهر ، وتارة في الحقيقة ، والمنافق حصل له الإسلام الظاهر ، ولم يحصل له الإسلام الباطن ، لأن باطنه غير منقاد لدين الله ، فكان تقدير الآية : لم تسلموا في القلب والباطن ، ولكن قولوا : أسلمنا في الظاهر ، والله أعلم .