ثم قال تعالى : (
وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذه الآية متناولة لجميع المخالفين لدين
محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن منهم من كان من أهل الكتاب ، سواء كان محقا في تلك الدعوى
كاليهود والنصارى ، أو كان كاذبا فيه
كالمجوس ، ومنهم من لم يكن من أهل الكتاب وهم عبدة الأوثان .
المسألة الثانية : إنما
وصف مشركي العرب بأنهم أميون لوجهين
: الأول : أنهم لما لم يدعوا الكتاب الإلهي وصفوا بأنهم أميون تشبيها بمن لا يقرأ ولا يكتب .
والثاني : أن يكون المراد أنهم ليسوا من أهل القراءة والكتابة فهذه كانت صفة عامتهم وإن كان فيهم من يكتب فنادر من بينهم والله أعلم .
المسألة الثالثة : دلت هذه الآية على أن المراد بقوله (
فإن حاجوك ) عام في كل الكفار ، لأنه دخل كل من يدعي الكتاب تحت قوله (
الذين أوتوا الكتاب ) ودخل من لا كتاب له تحت قوله ( الأميين ) .
ثم قال الله تعالى ( أأسلمتم ) فهو استفهام في معرض التقرير ، والمقصود منه الأمر قال النحويون : إنما جاء بالأمر في صورة الاستفهام ، لأنه بمنزلته في طلب الفعل والاستدعاء إليه إلا أن في التعبير عن معنى الأمر بلفظ الاستفهام فائدة زائدة ، وهي التعبير بكون المخاطب معاندا بعيدا عن الإنصاف ، لأن المنصف إذا ظهرت له الحجة لم يتوقف بل في الحال يقبل ونظيره قولك لمن لخصت له المسألة في غاية التلخيص والكشف والبيان ; هل فهمتها ؟ فإن فيه الإشارة إلى كون المخاطب بليدا قليل الفهم . وقال الله تعالى في آية الخمر (
فهل أنتم منتهون ) [ المائدة : 91 ] وفيه إشارة إلى
التقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهي عنه .
ثم قال الله تعالى : (
فإن أسلموا فقد اهتدوا ) وذلك لأن هذا الإسلام تمسك بما هدى إليه ، والمتمسك بهداية الله تعالى يكون مهتديا ، ويحتمل أن يريد : فقد اهتدوا للفوز والنجاة في الآخرة إن ثبتوا عليه . ثم قال : (
وإن تولوا ) عن الإسلام واتباع
محمد صلى الله عليه وسلم : (
فإنما عليك البلاغ ) والغرض منه
تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتعريفه أن الذي عليه ليس إلا إبلاغ الأدلة وإظهار الحجة فإذا بلغ ما جاء به فقد أدى ما عليه ، وليس عليه قبولهم . ثم قال : (
والله بصير بالعباد ) وذلك يفيد الوعد والوعيد ، وهو ظاهر .