أما قوله تعالى : (
بيدك الخير ) .
فاعلم أن المراد من اليد هو القدرة ، والمعنى بقدرتك الخير والألف واللام في الخير يوجبان العموم ، فالمعنى بقدرتك تحصل كل البركات والخيرات ، وأيضا فقوله : (
بيدك الخير ) يفيد الحصر كأنه قال بيدك الخير لا بيد غيرك ، كما أن قوله تعالى : (
لكم دينكم ولي دين ) [الكافرون : 6 ] أي لكم دينكم أي لا لغيركم وذلك الحصر ينافي حصول الخير بيد غيره ، فثبت دلالة هذه الآية من هذين الوجهين على أن جميع الخيرات منه ، وبتكوينه وتخليقه وإيجاده وإبداعه ، إذا عرفت هذا فنقول :
أفضل الخيرات هو الإيمان بالله تعالى ومعرفته ، فوجب أن يكون
الخير من تخليق الله تعالى لا من تخليق العبد وهذا استدلال ظاهر ، ومن الأصحاب من زاد في هذا التقدير فقال : كل فاعلين فعل أحدهما أشرف وأفضل من فعل الآخر كان ذلك الفاعل أشرف وأكمل من الآخر ، ولا شك أن الإيمان أفضل من الخير ، ومن كل ما سوى الإيمان ، فلو كان الإيمان بخلق العبد لا بخلق الله لوجب كون العبد زائدا في الخيرية على الله تعالى ، وفي الفضيلة والكمال ، وذلك كفر قبيح فدلت هذه الآية من هذين الوجهين على أن الإيمان بخلق الله تعالى .
فإن قيل : فهذه الآية حجة عليكم من وجه آخر لأنه تعالى لما قال : (
بيدك الخير ) كان معناه أنه ليس بيدك إلا الخير ، وهذا يقتضي أن لا يكون الكفر والمعصية واقعين بتخليق الله .
والجواب : أن قوله : (
بيدك الخير ) يفيد أن بيده الخير لا بيد غيره ، وهذا ينافي أن يكون بيد غيره ، ولكن لا ينافي أن يكون بيده الخير وبيده ما سوى الخير ، إلا أنه خص الخير بالذكر ؛ لأنه الأمر المنتفع به فوقع التنصيص عليه لهذا المعنى ، قال القاضي : كل خير حصل من جهة العباد فلولا أنه تعالى أقدرهم عليه
[ ص: 9 ] وهداهم إليه لما تمكنوا منه ، فلهذا السبب كان مضافا إلى الله تعالى إلا أن هذا ضعيف ؛ لأن على هذا التقدير يصير بعض الخير مضافا إلى الله تعالى ، ويصير أشرف الخيرات مضافا إلى العبد ، وذلك على خلاف هذا النص .
أما قوله : (
إنك على كل شيء قدير ) فهذا كالتأكيد لما تقدم من كونه مالكا لإيتاء الملك ونزعه والإعزاز والإذلال .
أما قوله تعالى : (
تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ) فيه وجهان :
الأول : أن يجعل الليل قصيرا ويجعل ذلك القدر الزائد داخلا في النهار وتارة على العكس من ذلك وإنما فعل سبحانه وتعالى ذلك ؛ لأنه علق قوام العالم ونظامه بذلك .
والثاني : أن المراد هو أنه تعالى يأتي بالليل عقيب النهار ، فيلبس الدنيا ظلمة بعد أن كان فيها ضوء النهار ، ثم يأتي بالنهار عقيب الليل فيلبس الدنيا ضوءه ، فكان المراد من إيلاج أحدهما في الآخر إيجاد كل واحد منهما عقيب الآخر ، والأول أقرب إلى اللفظ ، لأنه إذا كان النهار طويلا فجعل ما نقص منه زيادة في الليل كان ما نقص منه داخلا في الليل .