صفحة جزء
وأما قوله : ( وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ) ففيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ نافع وحمزة والكسائي " الميت " بالتشديد ، والباقون بالتخفيف ، وهما لغتان بمعنى واحد ، قال المبرد : أجمع البصريون على أنهما سواء وأنشدوا :


إنما الميت ميت الأحياء



وهو مثل قوله : هين وهين ، ولين ولين ، وقد ذهب ذاهبون إلى أن الميت من قد مات ، والميت من لم يمت .

المسألة الثانية : ذكر المفسرون فيه وجوها :

أحدها : يخرج المؤمن من الكافر كإبراهيم من آزر ، والكافر من المؤمن مثل كنعان من نوح - عليه السلام - .

والثاني : يخرج الطيب من الخبيث وبالعكس .

والثالث : يخرج الحيوان من النطفة ، والطير من البيضة وبالعكس . والرابع : يخرج السنبلة من الحبة وبالعكس ، والنخلة من النواة وبالعكس ، قال القفال - رحمه الله - : والكلمة محتملة للكل ، أما الكفر والإيمان فقال تعالى : ( أومن كان ميتا فأحييناه ) [الأنعام : 122 ] يريد كان كافرا فهديناه فجعل الموت كفرا والحياة إيمانا ، وسمى إخراج النبات من الأرض إحياء ، وجعل قبل ذلك ميتة فقال : ( ويحيي الأرض بعد موتها ) [الروم : 50 ] وقال : ( فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها ) [فاطر : 9 ] وقال : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ) [البقرة : 28 ] .

أما قوله : ( وترزق من تشاء بغير حساب ) ففيه وجوه :

الأول : أنه يعطي من يشاء ما يشاء لا يحاسبه على ذلك أحد ، إذ ليس فوقه ملك يحاسبه بل هو الملك ، يعطي من يشاء بغير حساب .

والثاني : ترزق من تشاء [ رزقا ]غير مقدور ولا محدود ، بل تبسطه له وتوسعه عليه كما يقال : فلان ينفق بغير حساب إذا وصف عطاؤه بالكثرة ، ونظيره قولهم في تكثير مال الإنسان : عنده مال لا يحصى .

والثالث : ترزق من تشاء بغير حساب ، يعني على سبيل التفضل من غير استحقاق لأن من أعطى على قدر الاستحقاق فقد أعطى بحساب ، وقال بعض من ذهب إلى هذا المعنى : إنك لا ترزق عبادك على مقادير أعمالهم والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية