(
إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )
قوله تعالى : (
إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم )
[ ص: 18 ] اعلم أنه تعالى لما بين أن محبته لا تتم إلا بمتابعة الرسل بين
علو درجات الرسل وشرف مناصبهم فقال : (
إن الله اصطفى آدم ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن المخلوقات على قسمين : المكلف وغير المكلف واتفقوا على أن
المكلف أفضل من غير المكلف ، واتفقوا على أن
أصناف المكلف أربعة : الملائكة ، والإنس والجن ، والشياطين ، أما الملائكة ، فقد روي في الأخبار أن الله تعالى خلقهم من الريح ومنهم من احتج بوجوه عقلية على صحة ذلك .
فالأول : أنهم لهذا السبب قدروا على الطيران على أسرع الوجوه .
والثاني : لهذا السبب قدروا على حمل العرش ، لأن الريح تقوم بحمل الأشياء .
الثالث : لهذا السبب سموا روحانيين ، وجاء في رواية أخرى أنهم خلقوا من النور ، ولهذا صفت وأخلصت لله تعالى ، والأولى أن يجمع بين القولين فنقول : أبدانهم من الريح وأرواحهم من النور ، فهؤلاء هم سكان عالم السماوات ، أما
الشياطين فهم كفرة أما إبليس فكفره ظاهر لقوله تعالى : (
وكان من الكافرين ) [البقرة : 34 ] وأما سائر الشياطين فهم أيضا كفرة بدليل قوله تعالى : (
وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) [الأنعام : 121 ]
ومن خواص الشياطين أنهم بأسرها أعداء للبشر قال تعالى : (
ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو ) [الكهف : 50 ] وقال : (
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ) [الأنعام : 112 ] ومن خواص الشياطين كونهم مخلوقين من النار قال الله تعالى حكاية عن إبليس : (
خلقتني من نار وخلقته من طين ) [الأعراف : 12 ] وقال : (
والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) [الحجر : 27 ] فأما
الجن فمنهم كافر ومنهم مؤمن ، قال تعالى : (
وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا ) [الجن : 14 ] أما الإنس فلا شك أن لهم والدا هو والدهم الأول ، وإلا لذهب إلى ما لا نهاية ، والقرآن دل على أن ذلك الأول هو
آدم - صلى الله عليه وسلم - على ما قال تعالى في هذه السورة : (
إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) [آل عمران : 59 ] وقال : (
ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ) [النساء : 1 ] .
إذا عرفت هذا فنقول : اتفق العلماء على أن
البشر أفضل من الجن والشياطين ، واختلفوا في أن
البشر أفضل أم الملائكة ، وقد استقصينا هذه