الصفة الثالثة : قوله : ( وحصورا ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في
تفسير الحصور ، والحصر في اللغة الحبس ، يقال حصره يحصره حصرا وحصر الرجل : أي اعتقل بطنه ، والحصور الذي يكتم السر ويحبسه ، والحصور الضيق البخيل ، وأما المفسرون :
[ ص: 33 ] فلهم قولان : أحدهما : أنه كان عاجزا عن إتيان النساء ، ثم منهم من قال : كان ذلك لصغر الآلة ، ومنهم من قال : كان ذلك لتعذر الإنزال ، ومنهم من قال : كان ذلك لعدم القدرة ، فعلى هذا الحصور : فعول بمعنى مفعول ، كأنه قال محصور عنهن ، أي محبوس ، ومثله ركوب بمعنى مركوب وحلوب بمعنى محلوب ، وهذا القول عندنا فاسد ؛ لأن هذا من صفات النقصان ، وذكر صفة النقصان في معرض المدح لا يجوز ، ولأن على هذا التقدير لا يستحق به ثوابا ولا تعظيما .
والقول الثاني : وهو اختيار المحققين أنه الذي لا يأتي النساء لا للعجز بل للعفة والزهد ، وذلك لأن الحصور هو الذي يكثر منه حصر النفس ومنعها كالأكول الذي يكثر منه الأكل وكذا الشروب ، والظلوم ، والغشوم ، والمنع إنما يحصل أن لو كان المقتضي قائما ، فلولا أن القدرة والداعية كانتا موجودتين ، وإلا لما كان حاصرا لنفسه فضلا عن أن يكون حصورا ، لأن الحاجة إلى تكثير الحصر والدفع إنما تحصل عند قوة الرغبة والداعية والقدرة ، وعلى هذا الحصور : بمعنى الحاصر فعول بمعنى فاعل .
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن
ترك النكاح أفضل ؛ وذلك لأنه تعالى مدحه بترك النكاح ، وذلك يدل على أن ترك النكاح أفضل في تلك الشريعة ، وإذا ثبت أن الترك في تلك الشريعة أفضل ، وجب أن يكون الأمر كذلك في هذه الشريعة بالنص والمعقول ، أما النص فقوله تعالى : (
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [ الأنعام : 90 ] وأما المعقول فهو أن الأصل في الثابت بقاؤه على ما كان ، والنسخ على خلاف الأصل .