ثم قال تعالى : (
يامريم اقنتي لربك واسجدي ) وقد تقدم تفسير القنوت في سورة البقرة في قوله تعالى : (
وقوموا لله قانتين ) [ البقرة : 238 ] وبالجملة فلما بين تعالى أنها مخصوصة بمزيد المواهب والعطايا من الله ، أوجب عليها مزيد الطاعات ، شكرا لتلك النعم السنية ، وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول :
لم قدم ذكر السجود على ذكر الركوع ؟ .
والجواب من وجوه :
الأول : أن الواو تفيد الاشتراك ولا تفيد الترتيب .
الثاني : أن
غاية قرب العبد من الله أن يكون ساجدا قال عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012087أقرب ما يكون العبد من ربه إذا سجد " فلما كان السجود مختصا بهذا النوع من الرتبة والفضيلة لا جرم قدمه على سائر الطاعات .
ثم قال : (
واركعي مع الراكعين ) وهو إشارة إلى الأمر بالصلاة ، فكأنه تعالى يأمرها بالمواظبة على السجود في أكثر الأوقات ، وأما الصلاة فإنها تأتي بها في أوقاتها المعينة لها .
والثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : قوله تعالى : ( اقنتي ) أمر بالعبادة على العموم ، ثم قال بعد ذلك : (
واسجدي واركعي ) يعني استعملي السجود في وقته اللائق به ، واستعملي الركوع في وقته اللائق به ، وليس المراد أن يجمع بينهما ، ثم يقدم السجود على الركوع والله أعلم .
الرابع : أن
الصلاة تسمى سجودا كما قيل في قوله : (
وأدبار السجود ) [ ق : 40 ] وفي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012088إذا دخل أحدكم المسجد فليسجد سجدتين " وأيضا المسجد سمي باسم مشتق من السجود ، والمراد منه موضع الصلاة ، وأيضا أشرف أجزاء الصلاة السجود ، وتسمية الشيء باسم أشرف أجزائه نوع مشهور في المجاز .
إذا ثبت هذا فنقول قوله : (
يامريم اقنتي ) معناه : يا
مريم قومي ، وقوله : ( واسجدي ) أي صلي فكان المراد من هذا السجود الصلاة ، ثم قال : (
واركعي مع الراكعين ) إما أن يكون أمرا لها بالصلاة بالجماعة فيكون قوله : ( واسجدي ) أمرا بالصلاة حال الانفراد ، وقوله : (
واركعي مع الراكعين ) أمرا بالصلاة في الجماعة ، أو يكون المراد من الركوع التواضع ويكون قوله : ( واسجدي ) أمرا ظاهرا بالصلاة ، وقوله : (
واركعي مع الراكعين ) أمرا بالخضوع والخشوع بالقلب .
الوجه الخامس في الجواب : لعله كان السجود في ذلك الدين متقدما على الركوع .
السؤال الثاني : أما المراد من قوله : (
واركعي مع الراكعين ) .
والجواب : قيل معناه : افعلي كفعلهم ، وقيل المراد به الصلاة في الجماعة كانت مأمورة بأن تصلي في
بيت المقدس مع المجاورين فيه ، وإن كانت لا تختلط بهم .
السؤال الثالث : لم لم يقل واركعي مع الراكعات ؟
والجواب لأن
الاقتداء بالرجال حال الاختفاء من الرجال أفضل من الاقتداء بالنساء .
[ ص: 40 ]
واعلم أن المفسرين قالوا : لما ذكرت الملائكة هذه الكلمات مع
مريم - عليها السلام - شفاها ، قامت
مريم في الصلاة حتى ورمت قدماها وسال الدم والقيح من قدميها .