(
ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون )
قوله تعالى : (
ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : " ذلك " إشارة إلى ما تقدم ، والمعنى أن الذي مضى ذكره من حديث
حنة وزكريا ويحيى وعيسى بن مريم ، إنما هو من
إخبار الغيب فلا يمكنك أن تعلمه إلا بالوحي .
فإن قيل : لم نفيت هذه المشاهدة ، وانتفاؤها معلوم بغير شبهة ، وترك نفي استماع هذه الأشياء من حفاظها وهو موهوم ؟ .
قلنا : كان معلوما عندهم علما يقينيا أنه ليس من أهل السماع والقراءة ، وكانوا منكرين للوحي ، فلم يبق إلا المشاهدة ، وهي وإن كانت في غاية الاستبعاد إلا أنها نفيت على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي مع علمهم بأنه لا سماع ولا قراءة ، ونظيره (
وما كنت بجانب الغربي ) [ القصص : 44 ] ، (
وما كنت بجانب الطور ) [ القصص : 46 ] (
وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم ) [ يوسف : 102 ] (
ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ) [ هود : 49 ] .
المسألة الثانية : الإنباء : الإخبار عما غاب عنك ، وأما الإيحاء فقد ورد الكتاب به على معان مختلفة ، يجمعها تعريف الموحى إليه بأمر خفي من إشارة أو كتابة أو غيرهما ، وبهذا التفسير يعد الإلهام وحيا كقوله تعالى : (
وأوحى ربك إلى النحل ) [ النحل : 68 ] وقال في الشياطين يوحون إلى أوليائهم ، وقال : (
فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ) [ مريم : 11 ] فلما كان الله سبحانه ألقى هذه الأشياء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بواسطة
جبريل - عليه السلام - بحيث يخفى ذلك على غيره سماه وحيا .