النوع الثاني من مباحث هذا الباب ما يتعلق بالخط ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
طولوا الباء من " بسم الله " وما طولوها في سائر المواضع وذكروا في الفرق وجهين :
الأول : أنه لما حذفت ألف الوصل بعد الباء طولوا هذه الباء ليدل طولها على الألف المحذوفة التي بعدها ، ألا ترى أنهم لما كتبوا (
اقرأ باسم ربك ) [ العلق : 1 ] بالألف ردوا الباء إلى صفتها الأصلية ، الثاني : قال
القتيبي : إنما طولوا الباء ، لأنهم أرادوا أن لا يستفتحوا كتاب الله إلا بحرف معظم ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز يقول لكتابه : طولوا الباء ، وأظهروا السين ، ودوروا الميم ، تعظيما لكتاب الله .
المسألة الثانية : قال أهل الإشارة : والباء حرف منخفض في الصورة فلما اتصل بكتبه لفظ الله ارتفعت واستعلت ، فنرجو أن القلب لما اتصل بخدمة الله عز وجل أن يرتفع حاله ويعلو شأنه .
المسألة الثالثة :
حذفوا ألف " اسم " من قوله " بسم الله " وأثبتوه في قوله : "
اقرأ باسم ربك " والفرق من وجهين :
الأول : أن كلمة "
بسم الله " مذكورة في أكثر الأوقات عند أكثر الأفعال ، فلأجل التخفيف حذفوا الألف ، بخلاف سائر المواضع فإن ذكرها قليل .
الثاني : قال
الخليل : إنما حذفت الألف في قوله "
بسم الله " لأنها إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير ممكن ، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف فسقطت في الخط ، وإنما لم تسقط في قوله : "
اقرأ باسم ربك " ، لأن الباء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع كما في "
بسم الله " لأنه يمكن حذف الباء من
اقرأ باسم ربك مع بقاء المعنى صحيحا ، فإنك لو قلت : اقرأ اسم ربك صح المعنى ، أما لو حذفت الباء من "
بسم الله " لم يصح المعنى فظهر الفرق .
المسألة الرابعة : كتبوا لفظة الله بلامين ، وكتبوا لفظة الذي بلام واحدة ، مع استوائهما في اللفظ وفي كثرة الدوران ، على الألسنة وفي لزوم التعريف والفرق من وجوه :
الأول : أن قولنا : " الله " اسم معرب متصرف تصرف الأسماء ، فأبقوا كتابته على الأصل ، أما قولنا " الذي " فهو مبني لأجل أنه ناقص ؛ لأنه لا يفيد إلا مع صلته فهو كبعض الكلمة ، ومعلوم أن بعض الكلمة يكون مبنيا ، فأدخلوا فيه النقصان لهذا السبب ، ألا ترى أنهم كتبوا قولهم " اللذان " بلامين ؛ لأن التثنية أخرجته عن مشابهة الحروف ، فإن الحرف لا يثنى .
[ ص: 94 ]
الثاني : أن قولنا : " الله " لو كتب بلام واحدة لالتبس بقوله : إله ، وهذا الالتباس غير حاصل في قولنا الذي .
الثالث : أن تفخيم ذكر الله في اللفظ واجب ، فكذا في الخط ، والحذف ينافي التفخيم وأما قولنا الذي فلا تفخيم له في المعنى فتركوا أيضا تفخيمه في الخط .
المسألة الخامسة : إنما حذفوا الألف قبل الهاء من قولنا " الله " في الخط لكراهتهم اجتماع الحروف المتشابهة بالصورة عند الكتابة ، وهو مثل كراهتهم اجتماع الحروف المتماثلة في اللفظ عند القراءة .
المسألة السادسة : قالوا : الأصل في قولنا " الله " الإله ، وهي ستة حروف ، فلما أبدلوه بقولهم " الله " بقيت أربعة أحرف في الخط : همزة ، ولامان ، وهاء ،
فالهمزة من أقصى الحلق واللام من طرف اللسان ،
والهاء من أقصى الحلق ، وهو إشارة إلى حالة عجيبة ، فإن أقصى الحلق مبدأ التلفظ بالحروف ، ثم لا يزال يترقى قليلا إلى أن يصل إلى طرف اللسان ثم يعود إلى الهاء الذي هو في داخل الحلق ، ومحل الروح ، فكذلك العبد يبتدئ من أول حالته التي هي حالة النكرة والجهالة ، ويترقى قليلا في مقامات العبودية ، حتى إذا وصل إلى آخر مراتب الوسع والطاقة ودخل في عالم المكاشفات والأنوار أخذ يرجع قليلا قليلا حتى ينتهي إلى الفناء في بحر التوحيد ، فهو إشارة إلى ما قيل : النهاية رجوع إلى البداية .
المسألة السابعة : إنما جاز حذف الألف قبل النون من "
الرحمن " في الخط على سبيل التخفيف ، ولو كتب بالألف حسن ، ولا يجوز حذف الياء من الرحيم ؛ لأن حذف الألف من الرحمن لا يخل بالكلمة ولا يحصل فيها التباس ، بخلاف حذف الياء من الرحيم .