ثم قال : (
والله شهيد على ما تعملون ) الواو للحال والمعنى : لم تكفرون بآيات الله التي دلتكم على صدق
محمد عليه الصلاة والسلام ، والحال أن
الله شهيد على أعمالكم ومجازيكم عليها وهذه الحال توجب أن لا تجترءوا على الكفر بآياته .
[ ص: 138 ] ثم إنه تعالى لما أنكر عليهم في ضلالهم ذكر بعد ذلك الإنكار عليهم في
إضلالهم لضعفة المسلمين فقال : (
قل ياأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن ) قال
الفراء : يقال صددته أصده صدا وأصددته إصدادا ، وقرأ
الحسن (تصدون) بضم التاء من أصده ، قال المفسرون : وكان صدهم عن سبيل الله بإلقاء الشبه والشكوك في قلوب الضعفة من المسلمين وكانوا ينكرون كون صفته صلى الله عليه وسلم في كتابهم .
ثم قال : (
تبغونها عوجا ) العوج بكسر العين الميل عن الاستواء في كل ما لا يرى ، وهو الدين والقول ، فأما الشيء الذي يرى فيقال فيه : عوج بفتح العين كالحائط والقناة والشجرة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : البغي يقتصر له على مفعول واحد إذا لم يكن معه اللام كقولك : بغيت المال والأجر والثواب ، وأريد هاهنا : تبغون لها عوجا ، ثم أسقطت اللام كما قالوا : وهبتك درهما أي وهبت لك درهما ، ومثله صدت لك ظبيا وأنشد :
فتولى غلامهم ثم نادى أظليما أصيدكم أم حمارا
أراد أصيد لكم والهاء في (
تبغونها ) عائدة إلى ( السبيل ) لأن السبيل يؤنث ويذكر و ( العوج ) يعني به الزيغ والتحريف ، أي تلتمسون لسبيله الزيغ والتحريف بالشبه التي توردونها على الضعفة نحو قولهم : النسخ يدل على البداء ، وقولهم : إنه ورد في التوراة أن شريعة
موسى عليه السلام باقية إلى الأبد ، وفي الآية وجه آخر وهو أن يكون ( عوجا ) في موضع الحال والمعنى : تبغونها ضالين وذلك أنهم كأنهم كانوا يدعون أنهم على دين الله وسبيله فقال الله تعالى : إنكم تبغون سبيل الله ضالين وعلى هذا القول لا يحتاج إلى إضمار اللام في تبغونها .
ثم قال : (
وأنتم شهداء ) وفيه وجوه . الأول : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : يعني
أنتم شهداء أن في التوراة أن دين الله الذي لا يقبل غيره هو الإسلام . الثاني : وأنتم شهداء على ظهور المعجزات على نبوته صلى الله عليه وسلم . الثالث : وأنتم شهداء أنه لا يجوز الصد عن سبيل الله . الرابع : وأنتم شهداء بين أهل دينكم عدول يثقون بأقوالكم ويعولون على شهادتكم في عظام الأمور وهم الأحبار . والمعنى : أن من كان كذلك فكيف يليق به الإصرار على الباطل والكذب والضلال والإضلال .
ثم قال : (
وما الله بغافل عما تعملون ) والمراد التهديد ، وهو كقول الرجل لعبده ، وقد أنكر طريقه لا يخفى علي ما أنت عليه ولست غافلا عن أمرك وإنما ختم الآية الأولى بقوله : (
والله شهيد ) وهذه الآية بقوله : (
وما الله بغافل عما تعملون ) وذلك لأنهم كانوا يظهرون الكفر بنبوة
محمد صلى الله عليه وسلم وما كانوا يظهرون إلقاء الشبه في قلوب المسلمين ، بل كانوا يحتالون في ذلك بوجوه الحيل فلا جرم قال فيما أظهروه (
والله شهيد ) وفيما أضمروه (
وما الله بغافل عما تعملون ) وإنما كرر في الآيتين قوله : (
قل ياأهل الكتاب ) لأن المقصود التوبيخ على ألطف الوجوه ، وتكرير هذا الخطاب اللطيف أقرب إلى التلطف في صرفهم عن طريقتهم في الضلال والإضلال وأدل على النصح لهم في الدين والإشفاق .