ثم قال تعالى : (
وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) وفيه سؤالات :
السؤال الأول : ما المراد برحمة الله ؟
الجواب : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : المراد الجنة ، وقال المحققون من أصحابنا : هذا إشارة إلى أن
العبد وإن كثرت طاعته فإنه لا يدخل الجنة إلا برحمة الله ، وكيف لا نقول ذلك والعبد ما دامت داعيته إلى الفعل وإلى الترك على السوية يمتنع منه الفعل ؟ فإذن ما لم يحصل رجحان داعية الطاعة امتنع أن يحصل منه الطاعة ، وذلك الرجحان لا يكون إلا بخلق الله تعالى ، فإذن صدور تلك الطاعة من العبد نعمة من الله في حق العبد فكيف يصير ذلك موجبا على الله شيئا ، فثبت أن دخول الجنة لا يكون إلا بفضل الله وبرحمته وبكرمه لا باستحقاقنا .
السؤال الثاني : كيف موقع قوله : (
هم فيها خالدون ) بعد قوله : (
ففي رحمة الله ) ؟
الجواب : كأنه قيل : كيف يكونون فيها ؟ فقيل : هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون .
السؤال الثالث :
الكفار مخلدون في النار كما أن المؤمنين مخلدون في الجنة ، ثم إنه تعالى لم ينص على خلود أهل النار في هذه الآية مع أنه نص على خلود أهل الجنة فيها فما الفائدة ؟
[ ص: 152 ] والجواب : كل ذلك إشعارات بأن
جانب الرحمة أغلب ، وذلك لأنه ابتدأ في الذكر بأهل الرحمة وختم بأهل الرحمة ، ولما ذكر العذاب ما أضافه إلى نفسه ، بل قال : (
فذوقوا العذاب ) مع أنه ذكر الرحمة مضافة إلى نفسه حيث قال : (
ففي رحمة الله ) ولما ذكر العذاب ما نص على الخلود مع أنه نص على الخلود في جانب الثواب ، ولما ذكر العذاب علله بفعلهم فقال : (
فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) ولما ذكر الثواب علله برحمته فقال : (
ففي رحمة الله ) ثم قال في آخر الآية : (
وما الله يريد ظلما للعالمين ) وهذا جار مجرى الاعتذار عن الوعيد بالعقاب ، وكل ذلك مما يشعر بأن جانب الرحمة مغلب ، يا أرحم الراحمين لا تحرمنا من برد رحمتك ومن كرامة غفرانك وإحسانك .
ثم قال تعالى : (
تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ) فقوله : ( تلك ) فيه وجهان . الأول : المراد أن هذه الآيات التي ذكرناها هي دلائل الله ، وإنما جاز إقامة ( تلك ) مقام ( هذه ) لأن هذه الآيات المذكورة قد انقضت بعد الذكر ، فصار كأنها بعدت فقيل فيها : ( تلك ) . والثاني : أن الله تعالى وعده أن ينزل عليه كتابا مشتملا على كل ما لا بد منه في الدين ، فلما أنزل هذه الآيات قال : تلك الآيات الموعودة هي التي نتلوها عليك بالحق ، وتمام الكلام في هذه المسألة قد تقدم في سورة البقرة في تفسير قوله : (
ذلك الكتاب ) . وقوله : ( بالحق ) فيه وجهان . الأول : أي ملتبسة بالحق والعدل من إجزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه . الثاني : بالحق ، أي بالمعنى الحق ، لأن معنى التلو حق .