ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الصفات الثمانية قال : (
وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ( وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ) بالياء على المغايبة ، لأن الكلام متصل بما قبله من ذكر
مؤمني أهل الكتاب ، يتلون ويسجدون ويؤمنون ويأمرون وينهون ويسارعون ، ولن يضيع لهم ما يعملون ، والمقصود أن جهال
اليهود لما قالوا
nindex.php?page=showalam&ids=106لعبد الله بن سلام إنكم خسرتم بسبب هذا الإيمان ، قال تعالى بل فازوا بالدرجات العظمى ، فكان المقصود تعظيمهم ليزول عن قلبهم أثر كلام أولئك الجهال ، ثم هذا وإن كان بحسب اللفظ يرجع إلى كل ما تقدم ذكره من مؤمني أهل الكتاب ، فإن سائر الخلق يدخلون فيه نظرا إلى العلة .
وأما الباقون فإنهم قرءوا بالتاء على سبيل المخاطبة فهو ابتداء خطاب لجميع المؤمنين على معنى أن أفعال مؤمني أهل الكتاب ذكرت ، ثم قال : وما تفعلوا من خير معاشر المؤمنين الذين من جملتكم هؤلاء ، فلن تكفروه ، والفائدة أن يكون حكم هذه الآية عاما بحسب اللفظ في حق جميع المكلفين ، ومما يؤكد ذلك أن نظائر هذه الآية جاءت مخاطبة لجميع الخلائق من غير تخصيص بقوم دون قوم كقوله : (
وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) [ البقرة : 197 ] (
وما تنفقوا من خير يوف إليكم ) [ البقرة : 272 ] (
وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) [ البقرة : 110 ] وأما
أبو عمرو فالمنقول عنه أنه كان يقرأ هذه الآية بالقراءتين .
المسألة الثانية : (
فلن يكفروه ) أي لن تمنعوا ثوابه وجزاءه ، وإنما سمي منع الجزاء كفرا لوجهين . الأول : أنه تعالى سمى إيصال الثواب شكرا قال الله تعالى : (
فإن الله شاكر عليم ) [ البقرة : 158 ] وقال : (
فأولئك كان سعيهم مشكورا ) [ الإسراء : 19 ] فلما سمى إيصال الجزاء شكرا سمى منعه كفرا . والثاني : أن الكفر في اللغة هو الستر
فسمي منع الجزاء كفرا ، لأنه بمنزلة الجحد والستر .
فإن قيل : لم قال : (
فلن يكفروه ) فعداه إلى مفعولين مع أن شكر وكفر لا يتعديان إلا إلى واحد يقال شكر النعمة وكفرها .
قلنا : لأنا بينا أن معنى الكفر هاهنا هو المنع والحرمان ، فكان كأنه قال : فلن تحرموه ، ولن تمنعوا جزاءه .