واعلم أنه تعالى لما
منع المؤمنين من أن يتخذوا بطانة من الكافرين ذكر علة هذا النهي ، وهي أمور . أحدها : قوله تعالى : (
لا يألونكم خبالا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب " الكشاف " : يقال ( ألا ) في الأمر يألو إذا قصر فيه ، ثم استعمل معدى إلى مفعولين في قولهم : لا آلوك نصحا ، ولا آلوك جهدا على التضمين ، والمعنى لا أمنعك نصحا ولا أنقصك جهدا .
المسألة الثانية : الخبال الفساد والنقصان ، وأنشدوا :
لستم بيد إلا يدا أبـ دا مخبولة العضد
أي فاسدة العضد منقوضتها ، ومنه قيل : رجل مخبول ومخبل ومختبل لمن كان ناقص العقل ، وقال تعالى : (
لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ) [ التوبة : 47 ] أي فسادا وضررا .
المسألة الثالثة : قوله : (
لا يألونكم خبالا ) أي لا يدعون جهدهم في مضرتكم وفسادكم ، يقال : ما ألوته نصحا ، أي ما قصرت في نصيحته ، وما ألوته شرا مثله .
المسألة الرابعة : انتصب الخبال بلا يألونكم لأنه يتعدى إلى مفعولين كما ذكرنا وإن شئت نصبته على المصدر ، لأن معنى قوله : (
لا يألونكم خبالا ) لا يخبلونكم خبالا . وثانيها : قوله تعالى : (
ودوا ما عنتم ) وفيه مسائل :
[ ص: 174 ] المسألة الأولى : يقال : وددت كذا ، أي أحببته و ( العنت ) شدة الضرر والمشقة ، قال تعالى : (
ولو شاء الله لأعنتكم ) [ البقرة : 220 ] .
المسألة الثانية : ما مصدرية كقوله : (
ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ) [ غافر : 75 ] أي بفرحكم ومرحكم وكقوله : (
والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ) [ الشمس : 6 ] أي بنائه إياها وطحيه إياها .
المسألة الثالثة : تقدير الآية : أحبوا أن يضروكم في دينكم ودنياكم أشد الضرر .
المسألة الرابعة : قال
الواحدي رحمه الله : لا محل لقوله : (
ودوا ما عنتم ) لأنه استئناف بالجملة ، وقيل : إنه صفة لبطانة ، ولا يصح هذا لأن البطانة قد وصفت بقوله : (
لا يألونكم خبالا ) فلو كان هذا صفة أيضا لوجب إدخال حرف العطف بينهما .
المسألة الخامسة : الفرق بين قوله : (
لا يألونكم خبالا ) وبين قوله : (
ودوا ما عنتم ) في المعنى من وجوه . الأول : لا يقصرون في إفساد دينكم ، فإن عجزوا عنه ودوا إلقاءكم في أشد أنواع الضرر . الثاني : لا يقصرون في إفساد أموركم في الدنيا ، فإذا عجزوا عنه لم يزل عن قلوبهم حب إعناتكم . والثالث : لا يقصرون في إفساد أموركم ، فإن لم يفعلوا ذلك لمانع من خارج ، فحب ذلك غير زائل عن قلوبهم .