وثالثها : قوله تعالى : (
قد بدت البغضاء من أفواههم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : البغضاء أشد البغض ، فالبغض مع البغضاء كالضر مع الضراء .
المسألة الثانية : الأفواه جمع الفم ، والفم أصله فوه بدليل أن جمعه أفواه ، يقال : فوه وأفواه كسوط وأسواط ، وطوق وأطواق ، ويقال رجل مفوه إذا أجاد القول ، وأفوه إذا كان واسع الفهم ، فثبت أن أصل الفم فوه بوزن سوط ، ثم حذفت الهاء تخفيفا ثم أقيم الميم مقام الواو لأنهما حرفان شفويان .
المسألة الثالثة : قوله : (
قد بدت البغضاء من أفواههم ) إن حملناه على المنافقين ففي تفسيره وجهان . الأول : أنه
لا بد في المنافق من أن يجري في كلامه ما يدل على نفاقه ومفارقته لطريق المخالصة في الود والنصيحة ، ونظيره قوله تعالى : (
ولتعرفنهم في لحن القول ) [ محمد : 30 ] . الثاني : قال
قتادة : قد بدت البغضاء لأوليائهم من المنافقين والكفار لاطلاع بعضهم على ذلك ، أما إن حملناه على
اليهود فتفسير قوله : (
قد بدت البغضاء من أفواههم ) فهو أنهم يظهرون تكذيب نبيكم وكتابكم وينسبونكم إلى الجهل والحمق ، ومن اعتقد في غيره الإصرار على الجهل والحمق امتنع أن يحبه ، بل لا بد وأن يبغضه ، فهذا هو المراد بقوله : (
قد بدت البغضاء من أفواههم ) .
ثم قال تعالى : (
وما تخفي صدورهم أكبر ) يعني
الذي يظهر على لسان المنافق من علامات البغضاء أقل مما في قلبه من النفرة ، والذي يظهر من علامات الحقد على لسانه أقل مما في قلبه من الحقد ، ثم بين تعالى أن إظهار هذه الأسرار للمؤمنين من نعمه عليهم ، فقال : (
قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) أي من أهل العقل والفهم والدراية ، وقيل : (
إن كنتم تعقلون )
الفصل بين ما يستحقه العدو والولي ، والمقصود بعثهم على استعمال العقل في تأمل هذه الآية وتدبر هذه البينات ، والله أعلم .