ثم قال : (
وإن تصبروا ) يعني على طاعة الله وعلى ما ينالكم فيها من شدة وغم ( وتتقوا ) كل ما نهاكم عنه وتتوكلوا في أموركم على الله (
لا يضركم كيدهم شيئا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
ابن كثير ونافع وأبو عمرو : ( لا يضركم ) بفتح الياء وكسر الضاد وسكون الراء ، وهو من ضاره يضيره ، ويضوره ضورا إذا ضره ، والباقون (
لا يضركم ) بضم الضاد والراء المشددة وهو من الضر ، وأصله يضرركم جزما ، فأدغمت الراء في الراء ونقلت ضمة الراء الأولى إلى الضاد وضمت الراء الأخيرة اتباعا لأقرب الحركات وهي ضمة الضاد ، وقال بعضهم : هو على التقديم والتأخير تقديره : ولا يضركم كيدهم شيئا إن تصبروا وتتقوا ، قال صاحب " الكشاف " : وروى
المفضل عن
عاصم ( لا يضركم ) بفتح الراء .
المسألة الثانية :
الكيد هو أن يحتال الإنسان ليوقع غيره في مكروه ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس فسر الكيد هاهنا بالعداوة .
[ ص: 178 ] المسألة الثالثة : ( شيئا ) نصب على المصدر أي شيئا من الضر .
المسألة الرابعة : معنى الآية : أن كل من
صبر على أداء أوامر الله تعالى واتقى كل ما نهى الله عنه كان في حفظ الله فلا يضره كيد الكافرين ولا حيل المحتالين .
وتحقيق الكلام في ذلك هو أنه سبحانه إنما
خلق الخلق للعبودية كما قال : (
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] فمن
وفى بعهد العبودية في ذلك فالله سبحانه أكرم من أن لا يفي بعهد الربوبية في حفظه عن الآفات والمخافات ، وإليه الإشارة بقوله : (
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) [ الطلاق : 3 ] إشارة إلى أنه يوصل إليه كل ما يسره ، وقال بعض الحكماء : إذا أردت أن تكبت من يحسد فاجتهد في اكتساب الفضائل .