ثم قال تعالى : (
إن الله بما يعملون محيط ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ ( بما يعملون ) بالياء على سبيل المغايبة بمعنى أنه عالم بما يعملون في معاداتكم فيعاقبهم عليه ، ومن قرأ بالتاء على سبيل المخاطبة ، فالمعنى أنه عالم محيط بما تعملون من الصبر والتقوى فيفعل بكم ما أنتم أهله .
المسألة الثانية :
إطلاق لفظ المحيط على الله مجاز ، لأن المحيط بالشيء هو الذي يحيط به من كل جوانبه ، وذلك من صفات الأجسام ، لكنه تعالى لما كان عالما بكل الأشياء قادرا على كل الممكنات ، جاز في مجاز اللغة أنه محيط بها ، ومنه قوله : (
والله من ورائهم محيط ) [ البروج : 20 ] وقال : (
والله محيط بالكافرين ) [ البقرة : 19 ] وقال : (
ولا يحيطون به علما ) [ طه : 111 ] وقال : (
وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ) [ الجن : 28 ] .
المسألة الثالثة : إنما قال : (
إن الله بما يعملون محيط ) ولم يقل إن الله محيط بما يعملون لأنهم يقدمون الأهم والذي هم بشأنه أعنى ، وليس المقصود هاهنا بيان كونه تعالى عالما ، لأنا بينا أن
جميع أعمالهم معلومة لله تعالى ومجازيهم عليها فلا جرم قد ذكر العمل ، والله أعلم .