ثم
قال تعالى : ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : العامل في قوله : (
إذ همت طائفتان منكم ) فيه وجوه . الأول : قال
الزجاج : العامل فيه التبوئة ، والمعنى كانت التبوئة في ذلك الوقت . الثاني : العامل فيه قوله : (
سميع عليم ) . الثالث : يجوز أن يكون بدلا من ( إذ غدوت ) .
المسألة الثانية : الطائفتان حيان من
الأنصار :
بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس لما انهزم عبد الله بن أبي همت الطائفتان باتباعه ، فعصمهم الله ، فثبتوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن العلماء من قال : إن الله تعالى أبهم ذكرهما وستر عليهما ، فلا يجوز لنا أن نهتك ذلك الستر .
المسألة الثالثة : الفشل الجبن والخور ، فإن قيل : الهم بالشيء هو العزم ، فظاهر الآية يدل على أن الطائفتين عزمتا على الفشل والترك وذلك معصية فكيف بهما أن يقال والله وليهما ؟
والجواب :
الهم قد يراد به العزم ، وقد يراد به الفكر ، وقد يراد به حديث النفس ، وقد يراد به ما يظهر من القول الدال على قوة العدو وكثرة عدده ووفور عدده ، لأن أي شيء ظهر من هذا الجنس صح أن يوصف من ظهر ذلك منه بأنه هم بأن يفشل من حيث ظهر منه ما يوجب ضعف القلب ، فكان قوله : (
إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ) لا يدل على أن معصية وقعت منهما ، وأيضا فبتقدير أن يقال : إن ذلك معصية لكنها من باب الصغائر لا من باب الكبائر ، بدليل قوله تعالى : (
والله وليهما ) فإن ذلك الهم لو كان من باب الكبائر لما بقيت ولاية الله لهما .