المسألة الثالثة : أجمع أهل التفسير والسير أن
الله تعالى أنزل الملائكة يوم بدر وأنهم قاتلوا الكفار ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : لم تقاتل الملائكة سوى يوم
بدر وفيما سواه كانوا عددا ومددا لا يقاتلون ولا يضربون ، وهذا قول الأكثرين ، وأما
أبو بكر الأصم ، فإنه أنكر ذلك أشد الإنكار ، واحتج عليه بوجوه :
الحجة الأولى : إن الملك الواحد يكفي في إهلاك الأرض ، ومن المشهور أن
جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت المدائن الأربع لقوم
لوط وبلغ جناحه إلى الأرض السابعة ، ثم رفعها إلى السماء وقلب عاليها سافلها ، فإذا حضر هو يوم
بدر ، فأي حاجة إلى مقاتلة الناس مع الكفار ؟ ثم بتقدير حضوره ، فأي فائدة في إرسال سائر الملائكة ؟
الحجة الثانية : أن أكابر الكفار كانوا مشهورين وكل واحد منهم مقابله من الصحابة معلوم وإذا كان كذلك امتنع إسناد قتله إلى الملائكة .
الحجة الثالثة : الملائكة لو قاتلوا لكانوا إما أن يصيروا بحيث يراهم الناس أو لا يراهم الناس فإن رآهم الناس فإما أن يقال إنهم رأوهم في صورة الناس أو في غير صورة الناس ، فإن كان الأول فعلى هذا التقدير صار المشاهد من عسكر الرسول ثلاثة آلاف ، أو أكثر ، ولم يقل أحد بذلك ، ولأن هذا على خلاف قوله تعالى : (
ويقللكم في أعينهم ) [ الأنفال : 44 ] وإن شاهدوهم في صورة غير صور الناس لزم وقوع الرعب الشديد في قلوب الخلق ، فإن من شاهد الجن لا شك أنه يشتد فزعه ولم ينقل ذلك ألبتة .
وأما القسم الثاني : وهو أن الناس ما رأوا الملائكة فعلى هذا التقدير : إذا حاربوا وحزوا الرءوس ، ومزقوا البطون وأسقطوا الكفار عن الأفراس ، فحينئذ الناس كانوا يشاهدون حصول هذه الأفعال مع أنهم ما كانوا شاهدوا أحدا من الفاعلين ، ومثل هذا يكون من أعظم المعجزات ، وحينئذ يجب أن يصير الجاحد لمثل هذه الحالة كافرا متمردا ، ولما لم يوجد شيء من ذلك عرف فساد هذا القسم أيضا .
الحجة الرابعة : أن هؤلاء الملائكة الذين نزلوا ، إما أن يقال : إنهم كانوا أجساما كثيفة أو لطيفة ، فإن كان الأول وجب أن يراهم الكل وأن تكون رؤيتهم كرؤية غيرهم ، ومعلوم أن الأمر ما كان كذلك ، وإن كانوا أجساما لطيفة دقيقة مثل الهواء لم يكن فيهم صلابة وقوة ، ويمتنع كونهم راكبين على الخيول ، وكل ذلك مما ترونه .
واعلم أن هذه الشبهة إنما تليق بمن ينكر القرآن والنبوة ، فأما من يقر بهما فلا يليق به شيء من هذه الكلمات ، فما كان يليق
nindex.php?page=showalam&ids=13719بأبي بكر الأصم إنكار هذه الأشياء مع أن نص القرآن ناطق بها وورودها في الأخبار قريب من التواتر ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر قال : لما رجعت
قريش من
أحد جعلوا يتحدثون في أنديتهم بما ظفروا ، ويقولون : لم نر الخيل البلق ولا الرجال البيض الذين كنا نراهم يوم
بدر ، والشبهة المذكورة إذا قابلناها
[ ص: 187 ] بكمال قدرة الله تعالى زالت وطاحت
فإنه تعالى يفعل ما يشاء لكونه قادرا على جميع الممكنات ويحكم ما يريد لكونه منزها عن الحاجات .