المسألة الخامسة : قوله تعالى : (
أو يتوب عليهم ) مفسر عند أصحابنا بخلق التوبة فيهم وذلك عبارة عن خلق الندم فيهم على ما مضى ، وخلق العزم فيهم على أن لا يفعلوا مثل ذلك في المستقبل ، قال أصحابنا : وهذا المعنى متأكد ببرهان العقل وذلك لأن الندم عبارة عن حصول إرادة في المضي متعلقة بترك فعل من
[ ص: 192 ] الأفعال في المستقبل ، وحصول الإرادات والكراهات في القلب لا يكون بفعل العبد ، لأن فعل العبد مسبوق بالإرادة ، فلو كانت الإرادات فعلا للعبد لافتقر العبد في فعل تلك الإرادة إلى إرادة أخرى ويلزم التسلسل وهو محال ، فعلمنا أن
حصول الإرادة والكراهات في القلب ليس إلا بتخليق الله تعالى وتكوينه ابتداء ، ولما كانت التوبة عبارة عن الندم والعزم ، وكل ذلك من جنس الإرادات والكراهات ، علمنا أن التوبة لا تحصل للعبد إلا بخلق الله تعالى ، فصار هذا البرهان مطابقا لما دل عليه ظاهر القرآن ، وهو قوله : (
أو يتوب عليهم ) وأما
المعتزلة فإنهم فسروا قوله : (
أو يتوب عليهم ) إما بفعل الألطاف أو بقبول التوبة .