ثم قال تعالى : (
هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ) ويعني بقوله : ( هذا ) ما تقدم من أمره ونهيه ووعده ووعيده وذكره لأنواع البينات والآيات ، ولا بد من الفرق بين البيان وبين الهدى وبين الموعظة ؛ لأن العطف يقتضي المغايرة فنقول فيه وجهان :
الأول : أن البيان هو الدلالة التي تفيد إزالة الشبهة بعد أن كانت الشبهة حاصلة ، فالفرق أن البيان عام في أي معنى كان ، وأما الهدى فهو بيان لطريق الرشد ليسلك دون طريق الغي . وأما الموعظة فهي الكلام الذي يفيد الزجر عما لا ينبغي في طريق الدين ، فالحاصل أن البيان جنس تحته نوعان :
أحدهما : الكلام الهادي إلى ما ينبغي في الدين وهو الهدى .
الثاني : الكلام الزاجر عما لا ينبغي في الدين وهو الموعظة .
الوجه الثاني : أن البيان هو الدلالة ، وأما الهدى فهو الدلالة بشرط كونها مفضية إلى الاهتداء ، وقد تقدم هذا البحث في تفسير قوله : (
هدى للمتقين ) في سورة البقرة .
المسألة الرابعة : في تخصيص هذا البيان والهدى , والموعظة للمتقين وجهان :
أحدهما : أنهم هم المنتفعون به ، فكانت هذه الأشياء في حق غير المتقين كالمعدومة ونظيره قوله تعالى : (
إنما أنت منذر من يخشاها ) [النازعات : 45] (
إنما تنذر من اتبع الذكر ) [يس : 11] (
إنما يخشى الله من عباده العلماء )
[ ص: 12 ] [فاطر : 28] وقد تقدم تقريره في تفسير قوله : (
هدى للمتقين ) [البقرة : 2] .
الثاني : أن قوله : (
هذا بيان للناس ) كلام عام ثم قوله : (
وهدى وموعظة للمتقين ) مخصوص إلا في حق المتقين والله أعلم بالصواب .