(
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )
قوله تعالى : (
ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين )
اعلم أن الذي قدمه من قوله : (
قد خلت من قبلكم سنن ) وقوله : (
هذا بيان للناس ) كالمقدمة لقوله : (
ولا تهنوا ولا تحزنوا ) كأنه قال إذا بحثتم عن أحوال القرون الماضية علمتم أن
أهل الباطل وإن اتفقت لهم الصولة ، لكن كان مآل الأمر إلى الضعف والفتور ، وصارت دولة أهل الحق عالية ، وصولة أهل الباطل مندرسة ، فلا ينبغي أن تصير صولة الكفار عليكم يوم أحد سببا لضعف قلبكم ولجبنكم وعجزكم ، بل يجب أن يقوى قلبكم فإن الاستعلاء سيحصل لكم ، والقوة والدولة راجعة إليكم .
ثم نقول : قوله (
ولا تهنوا ) أي لا تضعفوا عن الجهاد ، والوهن الضعف قال تعالى حكاية عن
زكريا عليه السلام : (
إني وهن العظم مني ) [مريم : 4] وقوله : (
ولا تحزنوا ) أي على من قتل منكم أو جرح وقوله : (
وأنتم الأعلون ) فيه وجوه :
الأول : أن حالكم أعلى من حالهم في القتل لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم يوم أحد ، وهو كقوله تعالى : (
أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ) [آل عمران : 165] أو لأن قتالكم لله وقتالهم للشيطان ، أو لأن قتالهم للدين الباطل وقتالكم للدين الحق ، وكل ذلك يوجب كونكم أعلى حالا منهم .
الثاني : أن يكون المراد وأنتم الأعلون بالحجة والتمسك بالدين والعاقبة الحميدة .
الثالث : أن يكون المعنى وأنتم الأعلون من حيث أنكم في العاقبة تظفرون بهم وتستولون عليهم وهذا شديد المناسبة لما قبله ؛ لأن القوم انكسرت قلوبهم بسبب ذلك الوهن فهم كانوا محتاجين إلى ما يفيدهم قوة في القلب ، وفرحا في النفس ، فبشرهم الله تعالى بذلك ، فأما قوله : (
إن كنتم مؤمنين ) ففيه وجوه :
الأول : وأنتم الأعلون إن بقيتم على إيمانكم ، والمقصود بيان أن الله تعالى إنما تكفل بإعلاء درجتهم لأجل تمسكهم بدين الإسلام .
الثاني : وأنتم الأعلون فكونوا مصدقين لهذه البشارة إن كنتم مصدقين بما يعدكم الله ويبشركم به من الغلبة .
والثالث : التقدير : ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، فإن
الله تعالى وعد بنصرة هذا الدين ، فإن كنتم من المؤمنين علمتم أن هذه الواقعة لا تبقى بحالها ، وأن الدولة تصير للمسلمين والاستيلاء على العدو يحصل لهم .