ثم قال تعالى : (
وتلك الأيام نداولها بين الناس ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ( تلك ) مبتدأ و ( الأيام ) صفة و ( نداولها ) خبره ويجوز أن يقال : تلك الأيام مبتدأ وخبر كما تقول : هي الأيام تبلي كل جديد ، فقوله : (
وتلك الأيام ) إشارة إلى جميع أيام الوقائع العجيبة ، فبين أنها دول تكون على الرجل حينا وله حينا والحرب سجال .
المسألة الثانية : قال
القفال :
المداولة نقل الشيء من واحد إلى آخر ، يقال : تداولته الأيدي إذا تناقلته ومنه قوله تعالى : (
كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) [الحشر : 7] أي تتداولونها ولا تجعلون للفقراء منها نصيبا ، ويقال : الدنيا دول ، أي تنتقل من قوم إلى آخرين ، ثم عنهم إلى غيرهم ، ويقال : دال له الدهر بكذا إذا انتقل إليه ، والمعنى أن
أيام الدنيا هي دول بين الناس لا يدوم مسارها ولا مضارها ، فيوم يحصل فيه السرور له والغم لعدوه ، ويوم آخر بالعكس من ذلك ، ولا يبقى شيء من أحوالها ولا يستقر أثر من آثارها .
واعلم أنه ليس المراد من هذه المداولة أن
الله تعالى تارة ينصر المؤمنين وأخرى ينصر الكافرين ؛ وذلك لأن نصرة الله منصب شريف وإعزاز عظيم ، فلا يليق بالكافر ، بل المراد من هذه المداولة أنه تارة يشدد المحنة على الكفار وأخرى على المؤمنين والفائدة فيه من وجوه :
الأول : أنه تعالى لو شدد المحنة على الكفار في جميع الأوقات وأزالها عن المؤمنين في جميع الأوقات لحصل العلم الاضطراري بأن الإيمان حق وما سواه باطل ،
[ ص: 14 ] ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب ، فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على أهل الإيمان ، وأخرى على أهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر في الدلائل الدالة على صحة الإسلام فيعظم ثوابه عند الله .
والثاني : أن
المؤمن قد يقدم على بعض المعاصي ، فيكون عند الله تشديد المحنة عليه في الدنيا أدبا له ، وأما تشديد المحنة على الكافر فإنه يكون غضبا من الله عليه .
والثالث : وهو أن لذات الدنيا وآلامها غير باقية وأحوالها غير مستمرة ، وإنما تحصل السعادات المستمرة في دار الآخرة ، ولذلك فإنه تعالى يميت بعد الإحياء ، ويسقم بعد الصحة ، فإذا حسن ذلك فلم لا يحسن أن يبدل السراء بالضراء ، والقدرة بالعجز ، وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012170أن أبا سفيان صعد الجبل يوم أحد ثم قال : أين ابن أبي كبشة ؟ أين ابن أبي قحافة ؟ أين ابن الخطاب ؟ ، فقال عمر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا أبو بكر ، وها أنا عمر ، فقال أبو سفيان : يوم بيوم والأيام دول والحرب سجال ، فقال عمر رضي الله عنه لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ، فقال : إن كان كما تزعمون ، فقد خبنا إذن وخسرنا .