(
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين )
قوله تعالى : (
ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين )
واعلم أن هذه الآية من تمام الكلام الأول ، وذلك لأن الكفار لما أرجفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل ، ودعا المنافقون بعض ضعفة المسلمين إلى الكفر ، منع الله المسلمين بهذه الآية عن الالتفات إلى كلام أولئك المنافقين . فقال : (
ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قيل : (
إن تطيعوا الذين كفروا ) المراد
أبو سفيان ، فإنه كان كبير القوم في ذلك اليوم ، قال
السدي : المراد
أبو سفيان لأنه كان شجرة الفتن ، وقال آخرون : المراد
عبد الله بن أبي وأتباعه من
[ ص: 26 ] المنافقين ، وهم الذين ألقوا الشبهات في قلوب الضعفة وقالوا لو كان
محمد رسول الله ما وقعت له هذه الواقعة ، وإنما هو رجل كسائر الناس ، يوم له ويوم عليه ، فارجعوا إلى دينكم الذي كنتم فيه ، وقال آخرون : المراد اليهود لأنه كان
بالمدينة قوم من
اليهود ، وكانوا يلقون الشبهة في قلوب المسلمين ، ولا سيما عند وقوع هذه الواقعة ، والأقرب أنه يتناول كل الكفار ؛ لأن اللفظ عام
وخصوص السبب لا يمنع من عموم اللفظ .
المسألة الثانية : قوله : (
إن تطيعوا الذين كفروا ) لا يمكن حمله على طاعتهم في كل ما يقولونه بل لا بد من التخصيص فقيل : إن تطيعوهم فيما أمروكم به يوم أحد من ترك الإسلام ، وقيل : إن تطيعوهم في كل ما يأمرونكم من الضلال ، وقيل في المشورة ، وقيل في ترك المحاربة وهو قولهم : [
لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ] .
ثم قال : (
يردوكم على أعقابكم ) يعني يردوكم إلى الكفر بعد الإيمان ؛ لأن قبول قولهم في الدعوة إلى الكفر كفر .
ثم قال : (
فتنقلبوا خاسرين ) .
واعلم أن اللفظ لما كان عاما وجب أن يدخل فيه خسران الدنيا والآخرة ، أما خسران الدنيا فلأن أشق الأشياء على العقلاء في الدنيا الانقياد للعدو والتذلل له وإظهار الحاجة إليه ، وأما خسران الآخرة فالحرمان عن الثواب المؤبد والوقوع في العقاب المخلد .