(
ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور )
قوله تعالى : (
ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور )
في كيفية النظم وجهان :
الأول : أنه تعالى لما وعد نصر المؤمنين على الكافرين ، وهذا النصر لا بد وأن يكون مسبوقا بإزالة الخوف عن المؤمنين ، بين في هذه الآية أنه تعالى أزال الخوف عنهم ليصير ذلك كالدلالة على أنه تعالى ينجز وعده في نصر المؤمنين .
الثاني : أنه تعالى بين أنه نصر المؤمنين أولا ، فلما عصى بعضهم سلط الخوف عليهم ، ثم ذكر أنه أزال ذلك الخوف عن قلب من كان صادقا في إيمانه مستقرا على دينه بحيث غلب النعاس عليه .
واعلم أن الذين كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد فريقان :
أحدهما : الذين كانوا جازمين بأن
محمدا عليه الصلاة والسلام نبي حق من عند الله وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وكانوا قد سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن
الله تعالى ينصر هذا الدين ويظهره على سائر الأديان ، فكانوا قاطعين بأن هذه الواقعة لا تؤدي إلى الاستئصال ، فلا جرم كانوا آمنين ، وبلغ ذلك الأمن إلى حيث غشيهم النعاس ، فإن النوم لا يجيء مع الخوف ، فمجيء النوم يدل على زوال الخوف بالكلية ، فقال هاهنا في قصة أحد في هؤلاء : (
ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ) وقال في قصة بدر : (
إذ يغشيكم النعاس أمنة منه ) [الأنفال : 11] ففي قصة أحد قدم الأمنة على النعاس ، وفي قصة بدر قدم النعاس على الأمنة .
وأما الطائفة الثانية وهم المنافقون الذين كانوا
[ ص: 37 ] شاكين في نبوته عليه الصلاة والسلام ، وما حضروا إلا لطلب الغنيمة ، فهؤلاء اشتد جزعهم وعظم خوفهم ، ثم إنه تعالى وصف حال كل واحدة من هاتين الطائفتين ، فقال في صفة المؤمنين : (
ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
الواحدي : "الأمنة" مصدر كالأمن ، ومثله من المصادر : العظمة والغلبة ، وقال
الجبائي : يقال : أمن فلان يأمن أمنا وأمانا .
المسألة الثانية : قال صاحب الكشاف : قرئ ( أمنة ) بسكون الميم ؛ لأنها المرة من الأمن .
المسألة الثالثة : في قوله تعالى : ( نعاسا ) وجهان :
أحدهما : أن يكون بدلا من أمنة .
والثاني : أن يكون مفعولا ، وعلى هذا التقدير ففي قوله : ( أمنة ) وجوه :
أحدها : أن تكون حالا منه مقدمة عليه ، كقولك : رأيت راكبا رجلا .
وثانيها : أن يكون مفعولا له بمعنى نعستم أمنة .
وثالثها : أن يكون حالا من المخاطبين بمعنى ذوي أمنة .