واعلم أن في
قوله : ( لإلى الله تحشرون ) دقائق :
أحدها : أنه لم يقل : تحشرون إلى الله بل قال : لإلى الله تحشرون ، وهذا يفيد الحصر ، معناه إلى الله يحشر العالمون لا إلى غيره ، وهذا يدل على أنه لا حاكم في ذلك اليوم ولا ضار ولا نافع إلا هو ، قال تعالى : (
لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) [غافر : 16] وقال تعالى : (
والأمر يومئذ لله ) [الانفطار : 19] .
وثانيها : أنه ذكر من
أسماء الله هذا الاسم ، وهذا الاسم أعظم الأسماء وهو دال على كمال الرحمة وكمال القهر ، فهو لدلالته على كمال الرحمة أعظم أنواع الوعد ، ولدلالته على كمال القهر أشد أنواع الوعيد .
وثالثها : إدخال لام التأكيد في اسم الله حيث قال : (
لإلى الله ) وهذا ينبهك على أن الإلهية تقتضي هذا الحشر والنشر ، كما قال : (
إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ) [طه : 15] .
ورابعها : أن قوله : (
تحشرون ) فعل ما لم يسم فاعله ، مع أن فاعل ذلك الحشر هو الله ، وإنما لم يقع التصريح به لأنه تعالى هو العظيم الكبير الذي ، شهدت العقول بأنه هو الله الذي يبدئ ويعيد ، ومنه الإنشاء والإعادة ، فترك التصريح في مثل هذا الموضع أدل على العظمة ، ونظيره قوله تعالى : (
وقيل ياأرض ابلعي ماءك ) [هود : 44] .
وخامسها : أنه أضاف حشرهم إلى غيرهم ، وذلك ينبه العقل على أن جميع الخلق مضطرون في قبضة القدرة ونفاذ المشيئة ، فهم سواء كانوا أحياء أم أمواتا لا يخرجون عن قهر الربوبية وكبرياء الإلهية .
وسادسها : أن قوله : (
تحشرون ) خطاب مع الكل ، فهو يدل على أن
جميع العالمين يحشرون ويوقفون في عرصة القيامة وبساط العدل ، فيجتمع المظلوم مع الظالم ، والمقتول مع القاتل ،
والحق سبحانه وتعالى يحكم بين عبيده بالعدل المبرأ عن الجور ، كما قال : (
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ) [الأنبياء : 47] فمن تأمل في قوله تعالى : (
لإلى الله تحشرون ) وساعده التوفيق علم أن هذه الفوائد التي ذكرناها كالقطرة من بحار الأسرار المودعة في هذه الآية ، وتمسك القاضي بهذه الآية على أن المقتول ليس بميت ، قال : لأن قوله : (
ولئن متم أو قتلتم ) يقتضي عطف المقتول على الميت ، وعطف الشيء على نفسه ممتنع .