المسألة الثالثة : اعلم أن
بعثة الرسول إحسان من الله إلى الخلق ثم إنه لما كان الانتفاع بالرسول أكثر كان وجه الإنعام في بعثة الرسل أكثر ، وبعثة
محمد صلى الله عليه وسلم كانت مشتملة على الأمرين :
أحدهما : المنافع الحاصلة من أصل البعثة .
والثاني : المنافع الحاصلة بسبب ما فيه من الخصال التي ما كانت موجودة في غيره .
أما المنفعة بسبب أصل البعثة فهي التي ذكرها الله تعالى في قوله : (
رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [النساء : 165] قال
أبو عبد الله الحليمي :
وجه الانتفاع ببعثة الرسل ليس إلا في طريق الدين وهو من وجوه :
الأول : أن الخلق جبلوا على النقصان وقلة الفهم وعدم الدراية ، فهو صلوات الله عليه أورد عليهم وجوه الدلائل ونقحها ، وكلما خطر ببالهم شك أو شبهة أزالها وأجاب عنها .
والثاني : أن الخلق وإن كانوا يعلمون أنه لا بد لهم من خدمة مولاهم ، ولكنهم ما كانوا عارفين بكيفية تلك الخدمة ، فهو شرح تلك الكيفية لهم حتى يقدموا على الخدمة آمنين من الغلط ومن الإقدام على ما لا ينبغي .
والثالث : أن الخلق جبلوا على الكسل والغفلة والتواني والملالة فهو يورد عليهم أنواع الترغيبات والترهيبات حتى إنه كلما عرض لهم كسل أو فتور نشطهم للطاعة ورغبهم فيها .
الرابع : أن أنوار عقول الخلق تجري مجرى أنوار البصر ، ومعلوم أن الانتفاع بنور البصر لا يكمل إلا عند سطوع نور الشمس ، ونوره عقلي إلهي
[ ص: 65 ] يجري مجرى طلوع الشمس ، فيقوي العقول بنور عقله ، ويظهر لهم من لوائح الغيب ما كان مستترا عنهم قبل ظهوره ، فهذا إشارة حقيقية إلى فوائد أصل البعثة .
وأما المنافع الحاصلة بسبب ما كان في
محمد صلى الله عليه وسلم من الصفات ، فأمور ذكرها الله تعالى في هذه الآية أولها قوله : (
من أنفسهم ) .