ثم إنه تعالى بين حالهم عندما ذكروا هذا الجواب فقال : (
هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في التأويل وجهان :
الأول : أنهم كانوا قبل هذه الواقعة يظهرون الإيمان من أنفسهم ، وما ظهرت منهم أمارة تدل على كفرهم ، فلما رجعوا عن عسكر المؤمنين تباعدوا بذلك عن أن يظن بهم كونهم مؤمنين .
واعلم أن رجوعهم عن معاونة المسلمين دل على أنهم ليسوا من المسلمين ، وأيضا قولهم : (
لو نعلم قتالا لاتبعناكم ) يدل على أنهم ليسوا من المسلمين ، وذلك لأنا بينا أن هذا الكلام يدل إما على السخرية بالمسلمين ، وإما على عدم الوثوق بقول النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل واحد منهما كفر .
الوجه الثاني في التأويل : أن يكون المراد أنهم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان ، لأن تقليلهم سواد المسلمين بالانعزال يجر إلى تقوية المشركين .
المسألة الثانية : قال أكثر العلماء : أن هذا تنصيص من الله تعالى على أنهم كفار ، قال
الحسن : إذا قال الله تعالى : ( أقرب ) فهو اليقين بأنهم مشركون ، وهو مثل قوله : (
مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات : 147 ] فهذه الزيادة لا شك فيها ، وأيضا المكلف لا يمكن أن ينفك عن الإيمان والكفر ، فلما دلت الآية على القرب لزم حصول الكفر . وقال
الواحدي في البسيط : هذه الآية دليل على أن
من أتى بكلمة التوحيد لم يكفر ولم يطلق القول بتكفيره ; لأنه تعالى لم يطلق القول بكفرهم مع أنهم كانوا كافرين ، لإظهارهم القول بلا إله إلا الله
محمد رسول الله .
ثم قال تعالى : (
يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ) والمراد أن لسانهم مخالف لقلبهم ، فهم وإن كانوا يظهرون الإيمان باللسان لكنهم يضمرون في قلوبهم الكفر .
ثم قال : (
والله أعلم بما يكتمون ) .
[ ص: 71 ] فإن قيل : إن المعلوم إذا علمه عالمان لا يكون أحدهما أعلم به من الآخر ، فما معنى قوله : (
والله أعلم بما يكتمون ) ؟ .
قلنا : المراد أن الله تعالى يعلم من تفاصيل تلك الأحوال ما لا يعلمه غيره .