(
الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم )
قوله تعالى : (
الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ) .
اعلم أن الله تعالى مدح المؤمنين على غزوتين ، تعرف إحداهما بغزوة
حمراء الأسد ، والثانية بغزوة
بدر الصغرى ، وكلاهما متصلة بغزوة
أحد ، أما
غزوة حمراء الأسد فهي المراد من هذه الآية على ما سنذكره إن شاء الله تعالى ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : في محل ( الذين ) وجوه :
الأول : وهو قول
الزجاج أنه رفع بالابتداء وخبره (
للذين أحسنوا منهم ) إلى آخر هذه الآية .
الثاني : أن يكون محله هو الخفض على النعت للمؤمنين .
الثالث : أن يكون نصبا على المدح .
المسألة الثانية : في سبب نزول هذه الآية قولان :
الأول وهو الأصح : أن
أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من
أحد وبلغوا
الروحاء ندموا ، وقالوا : إنا قتلنا أكثرهم ولم يبق منهم إلا القليل فلم تركناهم ؟ بل الواجب أن نرجع ونستأصلهم ، فهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يرهب الكفار ويريهم من نفسه ومن أصحابه قوة ، فندب أصحابه إلى الخروج في طلب
أبي سفيان وقال : لا أريد أن يخرج الآن معي إلا من كان معي في القتال ، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم مع قوم من أصحابه ، قيل كانوا سبعين رجلا حتى بلغوا
حمراء الأسد ، وهو من
المدينة على ثلاثة أميال ، فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فانهزموا ، وروي أنه كان فيهم من يحمل صاحبه على عنقه ساعة ، ثم كان المحمول يحمل الحامل ساعة أخرى ، وكان كل ذلك لإثخان الجراحات فيهم ، وكان فيهم من يتوكأ على صاحبه ساعة ، ويتوكأ عليه صاحبه ساعة .
والثاني : قال
أبو بكر الأصم : نزلت هذه الآية في
يوم أحد لما رجع الناس إليه صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة فشد بهم على المشركين حتى كشفهم ، وكانوا قد هموا بالمثلة فدفعهم عنها بعد أن مثلوا
بحمزة ، فقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا ، وصلى عليهم صلى الله عليه وسلم ودفنهم بدمائهم ، وذكروا أن
صفية جاءت لتنظر إلى أخيها
حمزة فقال عليه الصلاة والسلام
للزبير : ردها لئلا تجزع من مثلة أخيها ، فقالت : قد بلغني ما فعل به ، وذلك يسير في جنب طاعة الله تعالى ، فقال
للزبير : فدعها تنظر إليه ، فقالت خيرا واستغفرت له . وجاءت امرأة قد قتل زوجها وأبوها وأخوها وابنها فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي قالت : إن كل مصيبة بعدك هدر . فهذا ما قيل في سبب نزول هذه
[ ص: 80 ] الآية ، وأكثر الروايات على الوجه الأول .
المسألة الثالثة : استجاب : بمعنى أجاب ، ومنه قوله : ( فليستجيبوا لي ) وقيل : أجاب ، فعل الإجابة ، واستجاب : طلب أن يفعل الإجابة ، لأن الأصل في الاستفعال طلب الفعل ، والمعنى : أجابوا وأطاعوا الله في أوامره وأطاعوا الرسول من بعد ما أصابهم الجراحات القوية .