ثم قال تعالى : (
ونقول ذوقوا عذاب الحريق ) وفيه مسائل :
[ ص: 97 ] المسألة الأولى : قرأ
حمزة " سيكتب " على لفظ ما لم يسم فاعله " وقتلهم الأنبياء " برفع اللام " ويقول ذوقوا " بالياء المنقطة من تحت ، والباقون " سنكتب ونقول " بالنون .
المسألة الثانية : المراد أنه تعالى ينتقم من هذا القائل بأن يقول له ذق عذاب الحريق ، كما أذقت المسلمين الغصص ، والحريق هو المحرق ، كالأليم بمعنى المؤلم .
المسألة الثالثة : يحتمل أن يقال له هذا القول عند الموت أو عند الحشر أو عند قراءة الكتاب ، ويحتمل أن يكون هذا كناية عن حصول الوعيد ، وإن لم يكن هناك قول .
المسألة الرابعة : لقائل أن يقول : إنهم أوردوا سؤالا وهو أن من يطلب المال من غيره كان فقيرا محتاجا ، فلو طلب الله المال من عبيده لكان فقيرا وذلك محال ، فوجب أن يقال : إنه لم يطلب المال من عبيده ، وذلك يقدح في كون
محمد عليه الصلاة والسلام صادقا في ادعاء النبوة ، فهذا هو شبهة القوم فأين الجواب عنها ؟ وكيف يحسن ذكر الوعيد على ذكرها قبل ذكر الجواب عنها ؟
فنقول : إذا فرعنا على قول أصحابنا من أهل السنة والجماعة قلنا : يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ، فلا يبعد أن يأمر الله تعالى عبيده ببذل الأموال مع كونه تعالى أغنى الأغنياء .
وإن فرعنا على قول
المعتزلة في أنه تعالى يراعي المصالح لم يبعد أن يكون في هذا التكليف أنواع من المصالح العائدة إلى العباد :
منها : أن
إنفاق المال يوجب زوال حب المال عن القلب ، وذلك من أعظم المنافع ، فإنه إذا مات فلو بقي في قلبه حب المال مع أنه ترك المال لكان ذلك سببا لتألم روحه بتلك المفارقة .
ومنها : أن يتوسل بذلك الإنفاق إلى الثواب المخلد المؤبد .
ومنها : أن
بسبب الإنفاق يصير القلب فارغا عن حب ما سوى الله ، وبقدر ما يزول عن القلب حب غير الله فإنه يقوى في حب الله ، وذلك رأس السعادات ، وكل هذه الوجوه قد ذكرها الله في القرآن وبينها مرارا وأطوارا ، كما قال : (
والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا ) [ الكهف : 46 ] وقال : (
والآخرة خير وأبقى ) [ الأعلى : 17 ] وقال : (
ورضوان من الله أكبر ) [ التوبة : 72 ] وقال : (
فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) [ يونس : 58 ] فلما تقدم ذكر هذه الوجوه على الاستقصاء كان إيراد هذه الشبهة بعد تقدم هذه البينات محض التعنت ، فلهذا اقتصر الله تعالى عند ذكرها على مجرد الوعيد .