ثم قال تعالى : (
ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ) وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى لما ذكر الوعيد الشديد ذكر سببه فقال : (
ذلك بما قدمت أيديكم ) أي هذا العذاب المحرق جزاء فعلكم حيث وصفتم الله وأقدمتم على قتل الأنبياء ، فيكون هذا العقاب عدلا لا جورا .
المسألة الثانية : قال
الجبائي : الآية تدل على أن فعل العقاب بهم كان يكون ظلما بتقدير أن لا يقع منهم تلك الذنوب ، وفيه بطلان
قول المجبرة ، إن الله يعذب الأطفال بغير جرم ، ويجوز أن يعذب البالغين بغير ذنب ، ويدل على كون العبد فاعلا ، وإلا لكان الظلم حاصلا .
والجواب : أن ما ذكرتم معارض بمسألة الداعي ومسألة العلم على ما شرحناه مرارا وأطوارا .
[ ص: 98 ] المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : (
وما ربك بظلام للعبيد ) [ فصلت : 46 ] يفيد نفي كونه ظلاما ، ونفي الصفة يوهم بقاء الأصل ، فهذا يقتضي ثبوت أصل الظلم .
أجاب القاضي عنه بأن العذاب الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلما لكان عظيما ، فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتا ، وهذا يؤكد ما ذكرنا أن إيصال العقاب إليهم يكون ظلما لو لم يكونوا مذنبين .
المسألة الرابعة : اعلم أن ذكر الأيدي على سبيل المجاز ، لأن الفاعل هو الإنسان لا اليد ، إلا أن اليد لما كانت آلة الفعل حسن إسناد الفعل إليها على سبيل المجاز ، ثم في هذه الآية ذكر اليد بلفظ الجمع فقال : (
بما قدمت أيديكم ) وفي آية أخرى ذكر بلفظ التثنية فقال : (
ذلك بما قدمت يداك ) [ الحج : 10 ] والكل حسن متعارف في اللغة .