(
الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين )
قوله تعالى : (
الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) .
اعلم أن هذه هي الشبهة الثانية للكفار في
الطعن في نبوته صلى الله عليه وسلم ، وتقريرها أنهم قالوا :
قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، وأنت يا
محمد ما فعلت ذلك ; فوجب أن لا تكون من الأنبياء ، فهذا بيان وجه النظم ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نزلت هذه الآية في
كعب بن الأشرف ،
وكعب بن أسد ،
ومالك بن الصيف ،
ووهب بن يهوذا ،
وزيد بن التابوت ،
وفنحاص بن عازوراء وغيرهم ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا
محمد تزعم أنك رسول الله وأنه تعالى أنزل عليك كتابا ، وقد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، ويكون لها دوي خفيف ، تنزل من السماء ، فإن جئتنا بهذا صدقناك ، فنزلت هذه الآية . قال
عطاء : كانت
بنو إسرائيل يذبحون لله ، فيأخذون الثروب وأطايب اللحم فيضعونها في وسط بيت والسقف مكشوف ، فيقوم النبي في البيت ويناجي ربه ،
وبنو إسرائيل خارجون واقفون حول البيت فتنزل نار بيضاء لها دوي خفيف ولا دخان لها فتأكل كل ذلك القربان .
واعلم أن للعلماء فيما ادعاه
اليهود قولين :
الأول وهو قول
السدي : أن هذا الشرط جاء في التوراة ولكنه مع شرط ، وذلك أنه تعالى قال في التوراة : من جاءكم يزعم أنه نبي فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار إلا
المسيح ومحمدا عليهما السلام . فإنهما إذا أتيا فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان تأكله النار . قال : وكانت هذه العادة باقية إلى مبعث
المسيح عليه السلام ، فلما بعث الله
المسيح ارتفعت وزالت .
القول الثاني : أن ادعاء هذا الشرط كذب على التوراة ، ويدل عليه وجوه :
أحدها : أنه لو كان ذلك
[ ص: 99 ] حقا لكانت معجزات كل الأنبياء هذا القربان ، ومعلوم أنه ما كان الأمر كذلك ، فإن معجزات
موسى عليه السلام عند فرعون كانت أشياء سوى هذا القربان .
وثانيها : أن نزول هذه النار وأكلها للقربان معجزة فكانت هي وسائر المعجزات على السواء ، فلم يكن في تعيين هذه المعجزة وتخصيصها فائدة ، بل لما ظهرت المعجزة القاهرة على يد
محمد عليه الصلاة والسلام وجب القطع بنبوته سواء ظهرت هذه المعجزة أو لم تظهر .
وثالثها : أنه إما أن يقال : إنه جاء في التوراة أن مدعي النبوة وإن جاء بجميع المعجزات فلا تقبلوا قوله إلا أن يجيء بهذه المعجزة المعينة ، أو يقال : جاء في التوراة أن مدعي النبوة يطالب بالمعجزة سواء كانت المعجزة هي مجيء النار ، أو شيء آخر ، والأول باطل ، لأن على هذا التقدير لم يكن الإتيان بسائر المعجزات دالا على الصدق ، وإذا جاز الطعن في سائر المعجزات جاز الطعن أيضا في هذه المعجزة المعينة .
وأما الثاني : فإنه يقتضي توقيت الصدق على ظهور مطلق المعجزة ، لا على ظهور هذه المعجزة المعينة ، فكان اعتبار هذه المعجزة عبثا ولغوا ، فظهر بما ذكرنا سقوط هذه الشبهة بالكلية ، والله أعلم .
المسألة الثانية : في محل " الذين " وجوه :
أحدها : قال
الزجاج : الجر ، وهذا نعت العبيد ، والتقدير : وما ربك بظلام للعبيد الذين قالوا كذا وكذا .
وثانيها : أن التقدير : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ، وقول الذين قالوا إن الله عهد إلينا .
وثالثها : أن يكون رفعا بالابتداء والتقدير : هم الذين قالوا ذلك .